مجلة ريحانة الالكترونية

السكينة هي الهدف الرئيسي للزواج

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً  إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (1).
يعتقد البعض بأن الهدف من الزواج هو إزدياد النسل وإنجاب الأولاد ويستندون لقولهم هذا إلى رواية النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: «تَنَاكَحُوا تَنَاسَلُوا تَكْثُرُوا فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ اَلْأُمَمَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَ لَوْ بِالسِّقْطِ» (2)، ونحن لانقول إن الإنجاب وإزدياد النسل ليست من أهداف الزواج. فإن مباهاة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ليست بأمر سهل. لكن الهدف الأساسي من الزواج ليس إزدياد النسل والإنجاب. بل طبقا لآية 21 من سورة الروم، الهدف الأساسي من سنة الزواج هو السكون والسكينة والراحة. حيث يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً  إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (3)، وأيضا يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾ (4). 
معنى الحقيقي للسكينة
لكي نعرف الهدف الأساسي من سنة الزواج، علينا أن نعرف معناها في المرتبة الأولى. السكينة والسكون في اللغة بمعنا الوقار والطمأنينة. حيث يقول خليل بن أحمد الفراهيدي حول هذه اللغة (الوَقارُ و الوَدَاعَةُ‌) (5)، وورد في المعجم الوسيط (السَكِينَة: الطُّمَأْنينةُ‌ و الاستقرارُ) (6)، لكن شاهدنا في قاموس لسان العرب ما هو المعنى النهائي لهذه الكلمة. فقد ذكر لسان العرب (هي الوَقار و ما يَسْكُن به الإِنسان) (7)، فحقيقة السكون والسكينة هي ما يسكن به الإنسان ويطمأن به ويرتاح في حياته بسبب ذلك الشئ. لكن النقطة الحائزة للأهمية هي إن السكون المقصود في الآيات هو السكون النفسي والباطني حيث يقول الفخر الرازي في وجهة نظر لغوية (يقال سكن إليه للسكون القلبي ويقال سكن عنده للسكون الجسماني، لأن كلمة عند جاءت لظرف المكان وذلك للأجسام وإلى للغاية وهي للقلوب) (8).
فقدان السكينة والسكون الروحي في العصر الحالي
عندما ننظر إلى حياة البشر في العصر الحديث ونشاهد تجاربهم المختلفة، ندرك في قلوبنا أن الشيء الأساسي الذي يفتقدهم هو السكينة والطمأنينة. فكل شخص طوال حياته يبحث باستمرار عن ما يساعده على إيجاد هذه السكينة والطمأنينة الروحية في حياته. فنرى الكثير من الناس الذين يتمتعون بثروات مادية ولديهم بيوت وسيارات وأموال وافرة، ومع ذلك، فإنهم يعانون من نقص في السكون الروحي والنفسي، ويبحثون دائمًا عن هذا السكون في أماكن عديدة ومن خلال أشياء مختلفة. لكنهم غافلون تمامًا عن أن خالقهم هو العالم بجميع أمورهم، جعل لهم سنة كي تسدّ هذا الفراغ ويصل بهم إلى السكون والطمأنينة النفسية وحينما تحصل هذه السكينة والراحة، يمكن للشخص أن يهتمّ بأمور حياته الأخرى بفراغ بال ورشاقة. فالله سبحانه وتعالى جعل سنة الزواج للبشر وجعل فيها فوائد كثيرة. لكنه نفسه قال لنا إن الفائدة الأساسية والهدف القصوى للزواج هو الحصول على السكينة والطمأنينة.
هذا الأمر يمكن أن يكون خارجا عن فهمنا كبشر، ونتساءل كيف يمكن أن يكون شيء بسيط مثل الزواج سببًا في حصول السكينة والطمأنينة؟ وقد أجاب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله عن هذا السر عندما سأله حيث قال له : «يا نبي الله لقد عجبت من أمر وإنه لعجب، إن الرجل ليتزوج المرأة وما رآها وما رأته قط حتى إذا ابتنى بها اصطحبا وما شيء أحب إليهما من الآخر. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وجعل بينكم مودة ورحمة» (9).
المودة والرحمة هما نتيجة السكينة
عندما يتزوج الزوجان ويسكنان إلى الآخر، يجعل الله بينهما مودة ومحبة ورحمة. فالمودة والمحبة والرحمة الحقيقية هي نتيجة الزواج. وهذا هو قول الله تبارك وتعالى بعد ما جعل السكينة غاية للزواج: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً  إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (10)، ويمكن أن تصل هذه المحبة إلى درجة لم تكن عند الزوجان من قبل حتى تصير المحبة بينهما أكثر من محبتهما لآبائهما. فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مِنْ سَرِيَّةٍ قَدْ كَانَ أُصِيبَ فِيهَا نَاسٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَقْبَلَتْهُ النِّسَاءُ يَسْأَلْنَهُ عَنْ قَتْلَاهُنَّ فَدَنَتْ مِنْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فَعَلَ فُلَانٌ قَالَ وَ مَا هُوَ مِنْكِ قَالَتْ أَبِي قَالَ احْمَدِي اللَّهَ وَ اسْتَرْجِعِي فَقَدِ اسْتُشْهِدَ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فَعَلَ فُلَانٌ فَقَالَ وَ مَا هُوَ مِنْكِ فَقَالَتْ أَخِي فَقَالَ احْمَدِي اللَّهَ وَ اسْتَرْجِعِي فَقَدِ اسْتُشْهِدَ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فَعَلَ فُلَانٌ فَقَالَ وَ مَا هُوَ مِنْكِ فَقَالَتْ زَوْجِي قَالَ احْمَدِي اللَّهَ وَ اسْتَرْجِعِي فَقَدِ اسْتُشْهِدَ فَقَالَتْ وَا وَيْلَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَجِدُ بِزَوْجِهَا هَذَا كُلَّهُ حَتَّى رَأَيْتُ هَذِهِ الْمَرْأَةَ» (11)، وأيضا روي عن الإمام الكاظم عليه السلام: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِابْنَةِ جَحْشٍ قُتِلَ خَالُكِ حَمْزَةُ قَالَ فَاسْتَرْجَعَتْ وَ قَالَتْ أَحْتَسِبُهُ عِنْدَ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ لَهَا قُتِلَ أَخُوكِ فَاسْتَرْجَعَتْ وَ قَالَتْ أَحْتَسِبُهُ عِنْدَ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ لَهَا قُتِلَ زَوْجُكِ فَوَضَعَتْ يَدَهَا عَلَى رَأْسِهَا وَ صَرَخَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مَا يَعْدِلُ الزَّوْجَ عِنْدَ الْمَرْأَةِ شَيْ‌ءٌ» (12).
الأنس والمرافقة بين الزوجان
عندما يحصل السكينة والطمأنينة النفسية بين الزوجين، يمكنهما أن يعيشا بسلام ويستمتعا بالحياة رغم المصاعب والتحديات. وإذا لم تحصل السكينة الروحية، فلا يمكن لأي شخص أن يستمتع وينعم بالحياة، وهذا ما أوضحه الله عز وجل لنبيه آدم عليه السلام، عندما خلق الله حواء وتعجب آدم عليه السلام من خلقتها، فسأل آدم عن هذا الخق: «فَقَالَ آدَمُ عليه السلام عِنْدَ ذَلِكَ يَا رَبِّ مَا هَذَا الْخَلْقُ الْحَسَنُ الَّذِي قَدْ آنَسَنِي قُرْبُهُ وَ النَّظَرُ إِلَيْهِ فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يَا آدَمُ هَذِهِ أَمَتِي حَوَّاءُ أَ فَتُحِبُّ أَنْ تَكُونَ مَعَكَ تُؤْنِسُكَ وَ تُحَدِّثُكَ وَ تَكُونَ تَبَعاً لِأَمْرِكَ فَقَالَ نَعَمْ يَا رَبِّ وَ لَكَ عَلَيَّ بِذَلِكَ الْحَمْدُ وَ الشُّكْرُ» (13)، وأيضا روي عن الإمام الصادق عليه السلام: «الاُنسُ في ثلاثٍ : في الزَّوجةِ المُوافِقَةِ، والوَلدِ البارِّ ، والصَّديقِ المُصافي» (14)، وصرّح الإمام الصادق عليه السلام بأن الزوجة الصالحة هي السبب في السكينة والمرافقة. فقال عليه السلام «خَمْسُ خِصَالٍ مَنْ فَقَدَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ لَمْ يَزَلْ نَاقِصَ الْعَيْشِ زَائِلَ الْعَقْلِ مَشْغُولَ الْقَلْبِ فَأَوَّلُهَا صِحَّةُ الْبَدَنِ وَ الثَّانِيَةُ الْأَمْنُ وَ الثَّالِثَةُ السَّعَةُ فِي الرِّزْقِ وَ الرَّابِعَةُ الْأَنِيسُ الْمُوَافِقُ قُلْتُ وَ مَا الْأَنِيسُ الْمُوَافِقُ قَالَ الزَّوْجَةُ الصَّالِحَةُ وَ الْوَلَدُ الصَّالِحُ وَ الْخَلِيطُ الصَّالِحُ وَ الْخَامِسَةُ وَ هِيَ تَجْمَعُ هَذِهِ الْخِصَالَ الدَّعَةُ» (15).
حق الزوجة على الزوج 
هناك حقوق جعلها الله تبارك وتعالى علينا تجاه زوجاتنا، لأنهن السبب في السكينة والراحة النفسية في الحياة، وبفضل الزواج معهن أصبحت حياتنا أكمل وتم نصف ديننا. فعلينا أن نهتم بهذه الحقوق وألا نغفل عنها. فإن البعض يزعمون أنه يحق للرجال أن يفعلوا ما يشاؤون بحقوق زوجاتهم، لكن هذا هو فكر الباطل. فيقول الإمام زين العابدين عليه السلام في رسالة الحقوق: «أَمَّا حَقُّ الزَّوْجَةِ فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ جَعَلَهَا لَكَ سَكَناً وَ أُنْساً فَتَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَيْكَ فَتُكْرِمَهَا وَ تَرْفُقَ بِهَا وَ إِنْ كَانَ حَقُّكَ عَلَيْهَا أَوْجَبَ فَإِنَّ لَهَا عَلَيْكَ أَنْ تَرْحَمَهَا لِأَنَّهَا أَسِيرُكَ وَ تُطْعِمَهَا وَ تَكْسُوَهَا وَ إِذَا جَهِلَتْ عَفَوْتَ عَنْهَا» (16)
نتمنى لكم جميعا السكينة والطمأنينة الحقيقية في الحياة وحياةً طيبةً معاً.
 

1) سورة الروم، الآية: 21.
2) مستدرك سفينة البحار (للشيخ علي النمازي) / المجلد: 4 / الصفحة: 340 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
3) سورة الروم، الآية 21.
4) سورة الأعراف، الآية 189.
5) كتاب العين (لخليل بن أحمد الفراهيدي) / المجلد: 5 / الصفحة: 313 / الناشر: مؤسسة دار الهجرة – قم / الطبعة: 2.
6) معجم الوسيط (لمصطفى ابراهيم) / المجلد: 1 / الصفحة: 440 / الناشر: دار الدعوة – استانبول / الطبعة: 1.
7) لسان العرب (لمحمد بن مكرم الملقب بابن منظور) / المجلد: 13 / الصفحة: 213 / الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر – بيروت / الطبعة: 3.
8) تفسير الرازي (لفخر الدين الرازي) / المجلد: 25 / الصفحة: 110 / الناشر: دار العلوم – بيروت / الطبعة: 3.
9) الكشف والبيان المشهور بتفسير الثعلبي (للثعلبي) / المجلد: 7 / الصفحة: 299 / الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت / الطبعة: 1.
10) سورة الروم، الآية 21.
11) الكافي (للشيخ الكليني) / المجلد: 7 / الصفحة: 506 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
12) الكافي (للشيخ الكليني) / المجلد: 7 / الصفحة: 506 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
13) من لايحضره الفقيه (للشيخ الصدوق) / المجلد: 3 / الصفحة: 380 / الناشر: جامعة المدرسين – قم / الطبعة: 2.
14) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 75 / الصفحة: 231 / الناشر: دار إحياء التراث – بيروت / الطبعة: 1.
15) الخصال (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 284 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
16) من لايحضره الفقيه (للشيخ الصدوق) / المجلد: 2 / الصفحة: 621 / الناشر: جامعة المدرسين – قم / الطبعة: 2.
 

 

شارك هذا المقال

التعليق 0

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

من نحــن

مجلة ريحانة الالكترونية تعنى بجميع شؤون المرأة التي تناولها القرآن الكريم والسنة الشريفة. تعمل هذه المجلة تحت مجموعة شبكة رافد للتنمية الثقافية وهي مجموعة ثقافية تحت إشراف مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
علماً بأن عنوان هذه المجلة قد تم اقتباسه من الحديث الشريف عن أمير المؤمنين علي بن أبيطالب (عليه السلام): "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة".(نهج البلاغة)

أحدث المقالات

اسألي الفقيه