مجلة ريحانة الالكترونية

مقارنة بين حال المرأة في الجاهلية وبعد البعثة النبوية

بشكل عام يمكن القول إن المرأة في عصر الجاهلية كانت تتمتع بحقوق ومزايا قليلة جدًا، ولم يكن المجتمع العربي يؤمن باستقلالية المرأة في حياتها. كانت المرأة في تلك الفترة تعتبر كالسلعة في مال أبيها أو زوجها أو ابنها، وبسبب نظرة الرجل في عصر الجاهلي للمرأة، تحولت إلى كائن يستخدم للاستغلال والاستهتار به.
كانت المرأة في عصر الجاهلية تحرم من الحقوق الأساسية مثل حق الزواج، وحق الطلاق، وحق الميراث، وحق تحديد مصيرها، وحق المشاركة في الشؤون الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.
ولكن مع ظهور الإسلام، تغير موقعها ووضعها في المجتمع بشكل جذري. أعطى الإسلام للمرأة حقوقًا لم يسبق لها مثيل في تلك الحقبة الزمنية. قدم الإسلام المرأة على أنها عنصر ذو قيمة كبيرة ولها دور فعّال في المجتمع، ورسم صورة إنسانية جميلة لها من خلال القرآن الكريم.
منح الإسلام للمرأة حق اختيار الزوج، وحق الطلاق، وحق الميراث، وحق التعليم، وحق العمل، وحق المشاركة في الشؤون الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية. قدم الإسلام المرأة كشخصية مستقلة ومسؤولة أمام الله والمجتمع، وطلب من الناس احترامها ومحبتها.
هذه المقالة تبرز تطور الموقف الاجتماعي والقانوني للمرأة بين عصر الجاهلية وفترة الإسلام، وكيف أسهم الإسلام في تحسين موقف المرأة ومنحها الحقوق والكرامة التي تستحقها كإنسان.
كيف تعامل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله مع المرأة
 فلنأتي ونشاهد كيف تعامل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله مع المرأة في تلك الحقبة وكيف أوصى بها وكانت سيرته على العموم يكرّم المرأة ويحفظ لها مكانتها واحترامها، وهنا ننقل بعض أقواله وتصرفاته مع المرأة.
حبّ النساء
لقد دعا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله إلى التعامل مع المرأة بكل احترام وإنسانية، انطلاقاً من مبدأ الحبّ، باعتباره العاطفة الأسمى في سلسلة العواطف الإنسانية. فحبُّ الإنسان لأخيه هو الذي يبني الحياة الاجتماعية الآمنة المستقرة، ومن هنا كان من الطبيعي أنّ يمثّل - الحبُّ - الرسالة الأساس التي يحملها الدين، ويدعو لها الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام ، ولذا لم يكن مستغرباً أن يحثَّ النبي صلى الله عليه وآله على محبّة النساء، معتبراً أنّ ذلك من مكارم الأخلاق، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال :« مِنْ أَخْلَاقِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ حُبُّ النِّسَاءِ» (1)، وقلد جاء في الخبر عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وآله: « مَا أُحِبُّ مِنْ دُنْيَاكُمْ إِلَّا النِّسَاءَ وَ الطِّيبَ» (2)، وقد عرف عنه صلى الله عليه وآله أنّه كَانَ يحبّ أزْواجَه، وَيُلاطِفُهنَّ، وحثّ - فيما روي عنه - الرجال ودعاهم إلى إعلام زوجاتهم بحبّهم لهنّ وإظهار ذلك لهنّ، ففي الحديث عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وآله: «قَوْلُ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ إِنِّي أُحِبُّكِ لَا يَذْهَبُ مِنْ قَلْبِهَا أَبَداً» (3).
إكرام الزوجة
ودعا صلى الله عليه وآله إلى إكرام الزوجة واحترامها، ففي الحديث المروي عنه: «ومن اتّخذ زوجة فليكرمها» (4)، والإكرام  في حدّه الأدنى يفرض على الزوج أن يجتنب إيذاءها ويبتعد عن الإضرار بها، سواءً كان الإيذاء مادياً أو معنوياً، بالقول أو بالفعل، ولقد ورد عنه صلى الله عليه وآله أنه قال : « إنّي أتَعَجَّبُ مِمَّن يَضرِبُ امرَأَتَهُ وهُوَ بِالضَّربِ أولى مِنها » (5).
حِفْظُ أَسْرَارِ الزَّوجَاتِ
وفي هذا المناخ المفعم بالمحبة والإنسانية، كان من الطبيعي أن يدعو رسول الله صلى الله عليه وآله الأزواج إلى حفظ أسرار زوجاتهم وعدم إفشائها، كما أنّ الزوجات  في المقابل  مَنهيَّاتٌ عَن إفشاءِ أَسْرَارِ أَزواجِهِنَّ،فكما ورد في القرآن الكريم: ﴿ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ ﴾ (6).
في الآية يمدح الله تعالى الصالحات القانتات بأنهن حافظات للغيب أي يحفظن أنفسهن عن الفاحشة وأموال أزواجهن عن التبذير والإسراف، ويحفظن ما بينهن وبين أزواجهن من أسرار وخصوصيات
إنّ الحياة الزوجيّة هي مستودع الأسرار، ومن حق البنيان الزوجي على طرفيه الأساسيين (الزوج والزوجة) تحصينه وحمايته وحفظ أسراره، وإنّ إقدام أحد الطرفين على إفشاء الأسرار الزوجية ليس مؤشراً على الابتعاد عن الأخلاق والقيم الدينيّة والإنسانيّة فحسب، بل ومؤشر على خيانة العشرة الزوجية التي قامت على أساس رباط وثيق، كما وصفها الله تعالى في كتابه الكريم، إذ قال مندداً بأكل مهور النساء بغير حق: ﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ (7).
حسن الظَّنِّ بالزوْجَات
وَمن التعاليم النبويّة القيّمة على هذا الصعيد: نهيه عن تتبع عَورات النساء وملاحقة عثَراتِهِنَّ، فَفي الخبر عَنْ جَابِرٍ قَالَ: فقد روى الصدوق بإسناده عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يطرق الرجل أهله ليلاً إذا جاء من الغيبة حتى يؤذنهم» (8).
وهذا التوجيه النبوي الشريف، إنّما يرمي إلى تأكيد مبدأ كرامة المرأة واحترام إنسانيتها، والتجاوز عما قد يراه الزوج من بعض زلاتها وعثراتها.

خدمة المرأة
وقد حثّت الوصايا النبوية الرجل على مساعدة زوجته وتلبية حاجاتها، والمبادرة إلى خدمتها بكل لطف ومحبة، ففي الخبر عنه صلى الله عليه وآله: « إنَّ الرَّجُلَ لَيُؤجَرُ في رَفعِ اللُّقمَةِ إلى فِي امرَأتِهِ » (9). ولقد ورد في الحديث عنه صلى الله عليه وآله: « مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فَاشْتَرَى تُحْفَةً فَحَمَلَهَا إِلَى عِيَالِهِ كَانَ كَحَامِلِ صَدَقَةٍ إِلَى قَوْمٍ مَحَاوِيجَ وَ لْيَبْدَأْ بِالْإِنَاثِ قَبْلَ الذُّكُورِ فَإِنَّهُ مَنْ فَرَّحَ أُنْثَى فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَ‌ رَقَبَةً مِنْ وُلْدِ إِسْمَاعِيلَ..» (10) ، وجاء في الخبر عنه صلى الله عليه وآله: « لا يَخدُمُ العِيالَ إلّا صِدِّيقٌ أو شَهيدٌ أو رَجُلٌ يُرِيدُ اللّهُ بهِ خَيرَ الدنيا والآخِرَةِ » (11). 
ما أجمل وأرقى هذا الإرشادات النبويّة! ففي وسط عالَمٍ ذكوري جرت عاداته وتقاليده على تهميش المرأة وعلى أن تقوم هي بخدمة زوجها وابنها وأخيها وسائر الذكور في العائلة، وإذا بالنبي صلى الله عليه وآله يدعو الزوج  ويرغّبه في خدمة زوجته، ويحثّ الأب على الاعتناء بالإناث من أولاده، والبدء بهن في تقديم الهدايا، معتبراً صلى الله عليه وآله أنّ في هذا نوعاً من عبادة الله تعالى والتقرّب إليه، لأنّ عبادة الله لا تنحصر بالصلاة والصيام والذكر، بل إنّ كل عمل يساعد على توثيق العلاقات الاجتماعية وشدّ أواصر المحبّة بين أفراد الأسرة الواحدة هو عملٌ مرضيٌ عند الله ومقرّب إليه تعالى.
 

1ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 5 / الصفحة: 320 / ط الاسلامية.
2ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 5 / الصفحة: 321 / ط الاسلامية.
3ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 5 / الصفحة: 569 / ط الاسلامية.
4ـ مستدرك الوسائل / المحدّث النوري / المجلّد : 1 / الصفحة : 412.
5ـ مستدرك الوسائل / المحدّث النوري / المجلّد : 14 / الصفحة : 250.
6ـ سورة النساء : الآية  34.
7ـ سورة النساء : الآية 21.
8ـ وسائل الشيعة / الشيخ حرّ العاملي / المجلّد : 11 / الصفحة : 449 / ط-آل البیت.
9ـ المحجة البيضاء / الفيض الكاشاني / المجلّد : 3 / الصفحة : 70.
10ـ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال / الشيخ الصدوق / المجلّد : 1 / الصفحة : 201.
11ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 101 / الصفحة : 132 / ط دارالاحیاء التراث. 

 


 

شارك هذا المقال

التعليق 0

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

من نحــن

مجلة ريحانة الالكترونية تعنى بجميع شؤون المرأة التي تناولها القرآن الكريم والسنة الشريفة. تعمل هذه المجلة تحت مجموعة شبكة رافد للتنمية الثقافية وهي مجموعة ثقافية تحت إشراف مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
علماً بأن عنوان هذه المجلة قد تم اقتباسه من الحديث الشريف عن أمير المؤمنين علي بن أبيطالب (عليه السلام): "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة".(نهج البلاغة)

أحدث المقالات

اسألي الفقيه