مجلة ريحانة الالكترونية

شهادة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام

الإمام موسى الكاظم عليه ‌السلام في السجن
لما كان الإمام الكاظم عليه ‌السلام في سجن الفضل بن الربيع كان الرشيد يراقب حال الإمام بنفسه فأطل يوما من أعلى القصر على السجن فرأى ثوبا مطروحا في مكان لم يتغير عن موضعه فقال للفضل: ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟ قال الفضل: ما ذاك بثوب وإنما هو موسى بن جعفر له في كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال. فقال هارون: أما إن هذا من رهبان بني هاشم فقال له الفضل: ما لك قد ضيقت عليه بالحبس؟ قال هيهات لابد من ذلك. وكان الطاغية يطلب بين الحين والآخر من الفضل أن يفتك بالإمام موسى بن جعفر والفضل لم يجبه إلى ذلك ولما طال بقاء الإمام في السجن قام في غلس الليل فجدد طهوره وصلى لربه أربع ركعات وأخذ يناجي الله ويدعوه:
« يا سَيِّدي نَجِّني مِنْ حَبْسِ هارُونَ، وَخَلِّصْني مِنْ يَدِهِ، يا مُخَلِّصَ الشَّجَرِ مِنْ بَيْنِ رَمْلٍ وَطينٍ وَمآءٍ، وَيا مُخَلِّصَ اللَّبَنِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ، وَيا مُخَلِّصَ الْوَلَدِ مِنْ بَيْنِ مَشيمَةٍ وَرَحِمٍ، وَيا مُخَلِّصَ النَّارِ مِنْ بَيْنِ الْحَديدِ وَالْحَجَرِ، وَيا مُخَلِّصَ الرُّوحِ مِنْ بَيْنَ الْأَحْشآءِ وَالْأَمْعآءِ، خَلِّصْنى‌ مِنْ يَدَىْ هارُونَ » (1).
 

اطلاق سراح الامام عليه السلام ولكن كان مؤقتا دام عدة أيام عاشها الإمام مكرها في بغداد وكان الطاغية في تلك المدة يتهدد الإمام بالقتل. بعد ذلك أرجعه إلى سجن الفضل بن يحيى وأمره بالتضييق عليه ولكن الفضل فعل عكس ذلك ولم يضيق على الإمام ولما علم الطاغية بذلك أمر بنقل الإمام إلى سجن السندي ابن شاهك (وكان السندي عدوا لآل محمد ناصبيا قاسي القلب) وأمره بالتضييق على الإمام وتقييده بثلاثين رطلا من الحديد وأن يقفل عليه الأبواب ولا يدعه يخرج فامتثل السندي أمر طاغيته هارون فوضعه في طامورة لا يعرف فيها الليل من النهار وأوثقه بالحديد حتى أثر ذلك في جسده الشريف لذا ورد في زيارته :
« اَلْمُضْطَهَدِ بِالظُّلْمِ وَ اَلْمَقْبُورِ بِالْجَوْرِ وَ اَلْمُعَذَّبِ فِي قَعْرِ اَلسُّجُونِ وَ ظُلَمِ اَلْمَطَامِيرِ ذِي اَلسَّاقِ اَلْمَرْضُوضِ بِحَلَقِ اَلْقُيُودِ وَ اَلْجَنَازَةِ اَلْمُنَادَى عَلَيْهَا بِذُلِّ اَلاِسْتِخْفَافِ » (2).

ابسجن والسندي بن شاهك السجان    
عليه ابكل وكت مغلج البيبان
تم اسنين للوادم فلابان
ما يدرون ميت ولّه مسجون
 
عانَى الإمام عليه‌ السلام في حبس السندي أشد الآلام والأذى وكان إذا ضاق نفس الإمام لضيق الطامورة يأتي إلى بابها وكان فيها فتحة ليستنشق الهواء منها فإذا رآه السندي لطم الإمام على وجهه وأرجعه إلى داخل الطامورة:
 
أفي أيِّ كفٍّ يَلطمُ الرجسُ وجهَه
وما هي إلا فرعُ لطمةِ فاطمِ
 
 
كيفية شهادة الإمام الكاظم عليه السلام
كتب الإمام من تلك الطامورة إلى علي بن سويد وكان ابن سويد قد سأل الإمام عن مسائل كثيرة فكتب إليه الإمام بعد ما أجابه عن مسائله: « إِنَّ أَوَّلَ مَا أُنْهِي إِلَيْكَ أَنِّي أَنْعَى إِلَيْكَ نَفْسِي فِي لَيَالِيَّ هَذِهِ غَيْرَ جَازِعٍ وَ لَا نَادِمٍ وَ لَا شَاكٍّ فِيمَا هُوَ كَائِنٌ مِمَّا قَدْ قَضَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ حَتَمَ فَاسْتَمْسِكْ بِعُرْوَةِ الدِّينِ آلِ مُحَمَّدٍ وَ الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى الْوَصِيِّ بَعْدَ الْوَصِيِّ وَ الْمُسَالَمَةِ لَهُمْ وَ الرِّضَا بِمَا قَالُوا » (3) ،
 
ما مضت تلك الليالي حتى بعث الطاغية هارون إلى السندي رطبا مسموما لكي يقدمه للإمام موسى بن جعفر عليه‌ السلام فامتثل أمر طاغيته وقدم الرطب إلى الإمام وأجبره على أكله فرفع باب الحوائج يده إلى السماء وقال: يا رب إنك تعلم إني لو أكلت قبل اليوم كنت قد أعنت على نفسي ثم تناول سبع رطبات فأكلها وقيل عشرا ثم امتنع فقال له السندي: زد على ذلك فرمقه الإمام بطرفه وقال: « حسبك قد بلغت ما تحتاج إليه » ، بعد ذلك أخذ السم يسري في بدنه والإمام يعاني أشد الآلام في تلك الطامورة وأحاط به الأسى والحزن حيث لا أحد من أولاده وأهله وأحبته عنده.
 
يا گلب علكاظم تلچم
يعيني اعليه سحي الدمع من دم
غريب او بالحبس ويلوج بالسم
يتگلب يسار او نوبه ايمين
 
 
بقي الإمام على هذه الحالة ثلاثة أيام وبينما هو يسمع أخشن الكلام وأغلظه من السندي بن شاهك وهو في تلك الحالة إذ أدخل عليه السندي ثمانين رجلا من وجوه بغداد وأعيانها وقال لهم: انظروا إلى هذا الرجل هل حدث فيه حدث فقال الإمام لهم: اشهدوا أني صحيح في الظاهر ولكني مسموم وسأحمرُّ حمرة شديدة وأبيضُّ بعد غد وأمضي إلى رحمة الله ورضوانه.
ولما ثقل حال الإمام وأشرف على الموت استدعى المسيب بن زهرة وقال له: إني على ما عرفتك من الرحيل إلى الله عز وجل فإذا دعوت بشربة من ماء فشربتها ورأيتني قد انتفخت واصفر لوني واحمر واخضر وتلون ألوانا فأخبر الطاغية بوفاتي يا مسيب إن هذا الرجس (يعني السندي بن شاهك) سيزعم أنه يتولى غسلي ودفني وهيهات هيهات أن يكون ذلك أبدا فإذا حملت إلى المقبرة المعروفة بمقبرة قريش فالحدوني بها ولا ترفعوا قبري فوق أربع أصابع مفرجات ولا تأخذوا من تربتي شيئا لتتبركوا به فإن كل تربة لنا محرمة إلا تربة جدي الحسين بن علي عليه ‌السلام فإن الله عز وجل جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا.
قال المسيب: فلم أزل أراقب وعده حتى دعا بشربة فشربها ثم تغير وجه الإمام من لون إلى آخر وعرق جبينه وسكن أنينه وأسبل يديه ومدّ رجليه وفارقت روحه الدنيا ، رحم الله من نادى: وا إماماه، رحم الله من نادى: وا سيداه، رحم الله من نادى: وا مسموماه.
يا من أذاب القلب في عبراته
حزنا على المسموم في غرباته
اعلمت كم قاسى قبيل وفاته
قطع الرشيد عليه فرض صلاته
قسرا وأظهر كامن الحقاد
 

1ـ وسائل الشيعة / الشيخ حرّ العاملي / المجلّد : 8 / الصفحة : 140 / ط-آل البیت.
2ـ کلیات مفاتیح الجنان / شیخ عباس القمّي / المجلّد : 1 / الصفحة : 479.
3ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 8 / الصفحة : 124 / ط الاسلامية.
 

 

شارك هذا المقال

التعليق 0

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

من نحــن

مجلة ريحانة الالكترونية تعنى بجميع شؤون المرأة التي تناولها القرآن الكريم والسنة الشريفة. تعمل هذه المجلة تحت مجموعة شبكة رافد للتنمية الثقافية وهي مجموعة ثقافية تحت إشراف مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
علماً بأن عنوان هذه المجلة قد تم اقتباسه من الحديث الشريف عن أمير المؤمنين علي بن أبيطالب (عليه السلام): "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة".(نهج البلاغة)

أحدث المقالات

اسألي الفقيه