مجلة ريحانة الالكترونية

عقوق الوالدين  بعد حياتهما

يعد بر الوالدين واجبًا دينيًا وأخلاقيًا لا يمكن التنازل عنه. ومع ذلك، تأتي الروايات الشريفة لتعزز هذا المبدأ وتشدد على أهمية معاملة الوالدين بكرم ورعاية، وليس البر مقصوراً على حياة الوالدين فحسب، بل هو ضروري بعد وفاتهما، لانقطاعهما عن الدنيا وشدة احتياجهما الى البر والاحسان.
من هذا المنطلق، سنستعرض في هذه المقالة دروس وعبر من الروايات الشريفة للإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام حول موضوع "عقوق الوالدين بعد حياتهما".
فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام انه قال : « لَيْسَ يَتْبَعُ الرَّجُلَ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنَ الْأَجْرِ إِلَّا ثَلَاثُ خِصَالٍ صَدَقَةٌ أَجْرَاهَا فِي حَيَاتِهِ فَهِيَ تَجْرِي بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَ سُنَّةُ هُدًى سَنَّهَا فَهِيَ يُعْمَلُ بِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ ، أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ. » (1).
 

قضاء ديون الوالدين

من أجل ذلك فقد حرضت وصايا أهل البيت عليهم السلام على برّ الوالدين بعد وفاتهما، وأكدت عليه وذلك بقضاء ديونهما المالية أو العبادية، وإسداء الخيرات والمبرات اليهما، والاستغفار لهما، والترحم عليهما. واعتبرت إهمال ذلك ضرباً من العقوق.
يقول الإمام الباقر عليه السلام في هذا الصدد : « إِنَّ الْعَبْدَ لَيَكُونُ بَارّاً بِوَالِدَيْهِ فِي حَيَاتِهِمَا ثُمَّ يَمُوتَانِ فَلَا يَقْضِي عَنْهُمَا دُيُونَهُمَا وَ لَا يَسْتَغْفِرُ لَهُمَا فَيَكْتُبُهُ اللَّهُ عَاقّاً ، وَ إِنَّهُ لَيَكُونُ عَاقّاً لَهُمَا فِي حَيَاتِهِمَا غَيْرَ بَارٍّ بِهِمَا فَإِذَا مَاتَا قَضَى دَيْنَهُمَا وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمَا فَيَكْتُبُهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بَارّاً » (2).
هذا الدرس يُظهر أن الإحسان وبر الوالدين يجب أن يستمر حتى بعد وفاتهما. يُشير الإمام الباقر عليه السلام  إلى أنه إذا كان الإنسان قد كان بارًا بوالديه في حياتهما ورعى حقوقهما، ثم ماتا وتركوا ديونًا أو طلبوا الاستغفار، يجب عليه أن يقضي ديونهما ويستغفر لهما. وإذا فعل ذلك، فإن الله سيكتبه بارًا ، فلذا لا يصح التفكير بأنه اذا توفيا الوالدين فقد خلصت مهمة الانسان اتجهاهما ولا يربطه شيء بهما هذا خلاف ما صرّحت به روايات أهل البيت عليهم السلام.
 

أعمال البر بعد وفاة الوالدين

فقد ورد في الخبر عن الإمام الصادق عليه السلام انه قال : « مَا يَمْنَعُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ أَنْ يَبَرَّ وَالِدَيْهِ حَيَّيْنِ وَ مَيِّتَيْنِ يُصَلِّيَ عَنْهُمَا وَ يَتَصَدَّقَ عَنْهُمَا وَ يَحُجَّ عَنْهُمَا وَ يَصُومَ عَنْهُمَا فَيَكُونَ الَّذِي صَنَعَ لَهُمَا وَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فَيَزِيدَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِبِرِّهِ وَ صِلَتِهِ خَيْراً كَثِيراً » (3).
هذا الدرس يشجع على ممارسة الأعمال الصالحة بدلاً من العقوق بعد وفاة الوالدين. يُوصى بالصلاة والتصدق والحج والصيام عن أرواحهما. هذه الأعمال تساهم في زيادة البر والصلة بالوالدين بعد وفاتهما، وتكسب الإنسان ثوابًا كبيرًا ونفعًا في الدنيا والآخرة.
نجد أن الإسلام والتقاليد الثقافية تعلمنا أهمية بر الوالدين واحترامهما طوال حياتهما وبعد وفاتهما. دروس الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام تذكرنا بأن الإحسان وبر الوالدين يجب أن يستمر حتى بعد وفاتهما، وأن ممارسة الأعمال الصالحة بدلاً من العقوق تكون طريقًا للارتقاء وزيادة البر.
لذلك، دعونا نكن مثالًا حيًا لهذه القيم والمبادئ الخير والاحترام تجاه والدينا. دعونا نمارس الأعمال الصالحة والطاعات التي تخدم أرواحهما بعد وفاتهما. إن الوفاء بحقوق الوالدين والعناية بهما يعكس إيماننا وقيمنا الإنسانية.
كما يُفتح هذا الدرس الذي تعلمناه من الإمام الصادق بابًا واسعًا للخير والأجر، فالصلاة والصيام والتصدق والحج عن أرواح الوالدين تكون أفعالًا قيمية ونبيلة تستمر في ترابطنا معهما حتى بعد رحيلهما.
وفي النهاية، إن عقوق الوالدين بعد حياتهما هو موضوع يستحق التأمل والعمل على تحقيق الإصلاح والتواصل معهما بشكل إيجابي. إن الوالدين هما كنز لا يُقدر بثمن، وهما جسر للبركة والنجاح في الحياة. دعونا نحترمهما ونعبر عن امتناننا واحترامنا لهما من خلال أفعالنا وأقوالنا، ولنسعى جاهدين لتكريم ذكراهما بمواصلة الأعمال الصالحة في حياتنا.


1ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 7 / الصفحة : 56 / ط الاسلامية.
2ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 2 / الصفحة : 163 / ط الاسلامية.
3ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 2 / الصفحة : 159 / ط الاسلامية.
 

 

شارك هذا المقال

التعليق 0

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

من نحــن

مجلة ريحانة الالكترونية تعنى بجميع شؤون المرأة التي تناولها القرآن الكريم والسنة الشريفة. تعمل هذه المجلة تحت مجموعة شبكة رافد للتنمية الثقافية وهي مجموعة ثقافية تحت إشراف مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
علماً بأن عنوان هذه المجلة قد تم اقتباسه من الحديث الشريف عن أمير المؤمنين علي بن أبيطالب (عليه السلام): "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة".(نهج البلاغة)

أحدث المقالات

اسألي الفقيه