مجلة ريحانة الالكترونية

خروج الإمام الحسين عليه السلام من المدينة الى مكة

خرج الامام الحسين عليه السلام في اليوم الثامن والعشرين من شهر رجب الأصب سنة 60 للهجرة  من المدينة الى مكة المكرمة مع عائلته مصطحباً معه عقيلة بني هاشم زينب الكبرى عليها السلام وأخيه أبي الفضل العباس عليه السلام وسائر أخوته وأصحابه وبنو عمومته من المدينة المنورة نحو مكة المكرّمة في ظل ظروف صعبة بعد ما حدثت مؤامرات تحث على قتله وسفك دمه ظلماً وعدواناً (1).
هدف خروجه من المدينة المنورة
لم يتم شياع خبر موت معاوية بن أبي سفيان ولم يعلم به أهل البلدان ، ولم تبدأ المعارضة جهودًا جادة للتعبير عن معارضتها لخلافة يزيد.
ولم يتلق الإمام الحسين عليه السلام دعوة من مدن أخرى بما فيها الكوفة.
كان على الإمام عليه السلام أن يختار مكاناً لهجرته يعبر فيه عن آرائه بحرية وبأمان تام. فكما جاء في القرآن الكريم: ﴿ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ﴾ (2) كانت مكة هي ملاذ الله الآمن.
بالنظر إلى تدفق المسلمين من جميع أنحاء البلاد الإسلامية لأداء العمرة ، وكذلك اقتراب أيام الحج ووجود الناس لأداء مناسك الحج ، كان بإمكان الإمام الحسين عليه السلام أن يجتمع مع مجموعات مختلفة ويشرح سبب معارضته ليزيد ، فكان عليه أن يشرح لهم مدى خطورت النظام الأموي واليزيدي على الإسلام ، ويشرح لهم بعض أجزاء من تعاليم الإسلام في نفس الوقت ، وكان على اتصال بمجموعات مختلفة من المدن الإسلامية ، بما في ذلك الكوفة والبصرة.
وأخيراً ، ذكر الإمام الحسين عليه السلام الغرض من ترك المدينة المنورة هو بنفسه بوصيته لأخيه محمد بن الحنفيه : « بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف يابن الحنفية أن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ، جاء بالحق من عند الحق ، وأن الجنة والنار حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، أني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي صلى الله عليه وآله اريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب عليه السلام فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين ، وهذه وصيتي يا أخي إليك وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه انيب ». 
قال : ثم طوى الحسين الكتاب وختمه بخاتمه ، ودفعه إلى أخيه محمد ثم ودعه وخرج في جوف الليل (3).
وكان لديه 250 فرس، و 250 بعير منها 70 لحمل الخيام، و 40 لحمل الأواني، و  30 لحمل الأسقية، و 12 لحمل الملابس والنقود، و 50 لهوادج المخدّرات والعلويّات والأطفال والذراري والخدم والجواري، والبقيّة لحمل الأشياء الأخرى (4).
لقاء الإمام الحسين عليه السلام مع السيدة أمّ سلمة سلام الله عليها
لما عزم على الخروج من المدينة أتته ام سلمة رضي ‌الله ‌عنها فقالت : يا بني لا تحزني بخروجك إلى العراق ، فاني سمعت جدك يقول : يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها كربلا ، فقال لها : يا اماه وأنا والله أعلم ذلك ، وإني مقتول لا محالة ، وليس لي من هذا بد وإني والله لاعرف اليوم الذي اقتل فيه ، واعرف من يقتلني ، وأعرف البقعة التي ادفن فيها ، وإني أعرف من يقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي ، وإن أردت يا اماه اريك حفرتي ومضجعي. 
ثم أشار عليه السلام إلى جهة فانخفضت الارض حتى أراها مضجعه ومدفنه وموضع عسكره ، وموقفه ومشهده ، فعند ذلك بكت ام سلمة بكاء شديدا ، وسلمت أمره إلى الله ، فقال لها : يا اماه قد شاء الله عزوجل أن يراني مقتولا مذبوحا ظلما وعدوانا ، وقد شاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشردين ، وأطفالي مذبوحين مظلومين ، مأسورين مقيدين ، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصرا ولا معينا.
وفي رواية اخرى : قالت ام سلمة : وعندي تربة دفعها إلي جدك في قارورة ، فقال : والله إني مقتول كذلك وإن لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضا ثم أخذ تربة فجعلها في قارورة ، وأعطاها إياها ، وقال : اجعلها مع قارورة جدي فإذا فاضتا دما فاعلمي أني قد قتلت.
ثم قال المفيد : فسار الحسين إلى مكة وهو يقرأ : ‎﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾‏  (5) ولزم الطريق الاعظم ، فقال له أهل بيته : لو تنكبت عن الطريق كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب ، فقال : لا والله لا افارقه حتى يقضي الله ما هو قاض ، ولما دخل الحسين عليه السلام مكة ، كان دخوله إياها يوم الجمعة ، لثلاث مضين من شعبان ، دخلها وهو يقرأ : ﴿ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ‎﴾ (6) (7).
ولله درّ الحجة الشيخ علي الجشي عليه الرحمة إذ يقول :
وأقبلت زوجةُ الهادي التي حفظت 
فيه الوصايا وأدَّت حقَّ هاديها
بُنيَّ يُحزنُني منك الخروجُ إلى 
أرض العراقِ فلا تأمَنْ أهاليها
بنيَّ تُقْتَلُ إِمَّا جئتَها فأَقِمْ 
عسى أُقضِّي لبانات أُرجِّيها
هو العليمُ بما يجري عليه وهل 
يخفى عليه من الأقدارِ جاريها
لكنْ شريعةُ طه إذ به التجأت 
أجاب منتصراً للحقِّ داعيها
أَلاَ ترى حين جاء النصر منتصراً    
في كربلا والعدى سدَّت نواحيها
قد أصدر النصرَ والبتَّارَ أغمده 
وباع في الحقِّ نفساً جلَّ شاريها
فعاد نَهْبَ الظبا للسُّمْرِ مُشْتَجَراً 
والنبلُ كالقطرِ يهمي من أعاديها
(8)
 


1ـ أنظر الإرشاد / الشيخ المفيد / المجلّد : 2 / الصفحة : 35.
2ـ سورة آل عمران : الآية 97.
3ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 44 / الصفحة : 330 / ط مؤسسةالوفاء.
4ـ تقويم الشيعة / الشيخ عبد الحسين النيشابوري / الصفحة : 278 .
5ـ سورة القصص : الآية 21.
6ـ سورة القصص : الآية 22.
7ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 44 / الصفحة : 332 ط مؤسسةالوفاء.
8ـ الشواهد المنبرية / الشيخ علي الجشي / الصفحة : 42 .


 

شارك هذا المقال

التعليق 0

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة