ما هي مواصفات النبي المسيح بن مريم في الاسلام وروايات أهل البيت عليهم السلام وما هي الأخلاقيات والفضائل المذكورة في الروايات حول هذا النبي العظيم؟
إعتقاد الشيعة حول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام
يظنّ غير المسلمين بأن الشيعة يعتقدون بنبوة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وإمامة أميرالمؤمنين والأئمة المعصومين عليهم السلام فحسب، ولايعقدون بأيّ قدسية وإحترام للأنبياء الآخرين.
والصحيح أننا نعتقد بأن المسيح بن مريم هو نبيّ من أنبياء الله، بعثه الله نبيا وهاديا لعباده حتى يستنقذهم من الجهالة وحيرة الضلالة. هو من الأنبياء الأولي العزم الذين لديهم كتب مستقلة وشرائع جُدُد. ونعتقد أن ولادته كانت معجزة من الله تبارك وتعالى وأنه قد ولد بلا أب.
المسيح في كلام الامام الصادق عليه السلام
فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام (عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام : لم خلق الله عيسى من غير أب وخلق سائر الناس من الآباء والأمهات؟ فقال : ليعلم الناس تمام قدرته وكمالها ، ويعلموا أنه قادر على أن يخلق خلقا من أنثى من غير ذكر ، كما هو قادر على أن يخلقه من غير ذكر ولا أنثى ، وإنه عزوجل فعل ذلك ليعلم أنه على كل شئ قدير. 1)
مريم بنت عمران في كلام الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله
والدته مريم بنت عمران من نسل سليمان النبي على نبينا وآله وعليه السلام. وكانت من أحسن النساء وأفضلهن في زمانها حيث قال النبي صلى الله عليه وآله (خير نساء الجنّة ، مريم بنت عمران و خديجه بنت خويلد و فاطمه بنت محمد و آسيه بنت مزاحم إمرأة فرعون.2).
وأن الله بشّرها بولادة ولدها وأنه سوف يكون من أنبياء الله حيث قال في القرآن (إِذْ قالَتِ الْمَلائِکَةُ يا مَرْيمُ إِنَّ اللَّه يبَشِّرُکِ بِکَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَي ابْنُ مَرْيمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ3) وأن المسيح بن مريم لم يمت ولم يقتل (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا. بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)4.
المسيح في كلام الامام الباقر عليه السلام
سوف يرجع مع الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال (عن خيثمة عن أبي جعفر في قوله تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها. إلى آخر الآية. قال يعني مودتنا ونصرتنا... يا خيثمة سيأتي على الناس زمان لا يعرفون الله ما هو والتوحيد حتى يكون خروج الدجال وحتى ينزل عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام من السماء ويقتل الله الدجال على يديه ويصلي بهم رجل منا أهل البيت ألا ترى أن عيسى يصلي خلفنا وهو نبي؟ ألا ونحن أفضل منه. 5).
المسيح في روايات أهل البيت عليهم السلام
بعد توضيح مختصر حول إعتقادنا نحن الشيعة حول نبي الله المسيح بن مريم وولادة المسيح عيسى بن مريم وعروجه ورجعته، فلنبدأ بذكر رواياتٍ حول المسيح بن مريم حتى نعرف كيفية حياته وفضائله ومناقبه وأخلاقياته وتعامله مع الناس حتى نعتبر منه ونسعى أن نجعله قدوة لنا في كافة أمور ديننا ودنيانا.
المسيح في كلام أمير المؤمنين علي بن أبيطالب عليه السلام
من الصفات الأخلاقية البارزة لعيسى بن مريم هو الزهد. فقد روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام في وصف زهد عيسى بن مريم عليه السلام (وَإِنْ شِئْتَ قُلْتُ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ(عليه السلام)، فَلَقَدْ كَانَ يَتَوَسَّدُ الْحَجَرَ، وَيَلْبَسُ الْخَشِنَ، وَكَانَ إِدَامُهُ الْجُوعَ، وَسِرَاجُهُ بَاللَّيْلِ الْقَمَرَ، وَظِلاَلُهُ في الشِّتَاءِ مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا وَفَاكِهَتُهُ وَرَيْحَانُهُ مَا تُنْبِتُ الأرْضُ لِلْبَهَائِمِ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ تَفْتِنُهُ، وَلاَ وَلَدٌ يَحْزُنُهُ، وَلاَ مَالٌ يَلْفِتُهُ، وَلاَ طَمَعٌ يُذِلُّهُ، دَابَّتُهُ رِجْلاَهُ، وَخَادِمُهُ يَدَاهُ. 6)
وقد كان عيسى بن مريم نفسه يقول حول حياته وكيفية عيشه (خَادِمِي يَدَايَ وَ دَابَّتِي رِجْلَايَ وَ فِرَاشِيَ الْأَرْضُ وَ وِسَادِيَ الْحَجَرُ وَ دِفْئِي فِي الشِّتَاءِ مَشَارِقُ الْأَرْضِ وَ سِرَاجِيَ الْقَمَرُ وَ إِدَامِيَ الْجُوعُ وَ شِعَارِيَ الْخَوْفُ وَ لِبَاسِيَ الصُّوفُ وَ فَاكِهَتِي وَ رَيْحَانَتِي مَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ لِلْوُحُوشِ وَ الْأَنْعَامِ أَبِيتُ وَ لَيْسَ مَعِي شَيْءٌ وَ أُصْبِحُ وَ لَيْسَ لِي شَيْءٌ وَ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ أَغْنَى مِنِّي.7)
المسيح في كلام الامام الرضا عليه السلام
من الخصائص التي يجب أن يتحلّى بها المؤمن أن تكون لديه حالة من الخوف والرجاء. يعني الخوف من العذاب الإلهي وسخطه والرجاء برحمته الواسعة.
فقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام (كان عيسى عليه السلام يبكي ويضحك ، وكان يحيى عليه السلام يبكي ولا يضحك ، وكان الّذي يفعل عيسى عليه السلام أفضل. 8)
المسيح عليه السلام في كلام امام الصادق عليه السلام
من خصوصيات عيسى بن مريم أنه كان يراعي الحيوانات. ففي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام (إِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ع لَمَّا أَنْ مَرَّ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ رَمَى بِقُرْصٍ مِنْ قُوتِهِ فِي الْمَاءِ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْحَوَارِيِّينَ يَا رُوحَ اللَّهِ وَ كَلِمَتَهُ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا وَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ قُوتِكَ؟ قَالَ: فَقَالَ: فَعَلْتُ هَذَا لِدَابَّةٍ تَأْكُلُهُ مِنْ دَوَابِّ الْمَاءِ وَ ثَوَابُهُ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ.9)
صفات عيسى بن مريم في الروايات
قلة كلام عيسى بن مريم في كلام الامام الصادق عليه السلام
عن أميرالمؤمنين عليه السلام أنه قال (مَن کثُرَ کلامُهُ، کثُرَ خَطاؤُهُ وَمَن کثُرَ خُطاؤُهُ، قَلَّ حَياؤُهُ وَ مَن قَلَّ حَياؤُهُ، قَلَّ وَرَعُهُ. وَ مَنْ قَلَّ وَرَعُهُ، ماتَ قَلبُهُ و مَن ماتَ قَلبُهُ دَخَلَ النّارَ.10)
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام حول المسيح بن مريم (كَانَ الْمَسِيحُ عليه السلام يَقُولُ لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ فِي غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ الَّذِينَ يُكْثِرُونَ الْكَلَامَ فِي غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَاسِيَةٌ قُلُوبُهُمْ وَ لَكِنْ لَا يَعْلَمُون.11)
الجدّ في طلب الرزق
فقد روي ( أنَّ حَوارِييّ عيسى عليه السلام كانُوا إذا جاعُوا قالُوا: يا رُوحَ اللّه ِ جُعنا، فَيَضرِبُ بِيَدِهِ عَلَى الأرضِ - سَهلاً كانَ أو جَبَلاً - فَيُخْرِجُ لِكُلِّ إنسانٍ مِنهُم رَغيفَينِ يَأكُلُهُما، فَإذا عَطِشُوا قالُوا يا رُوحَ اللّه ِ عَطِشْنا، فَيَضْرِبْ بِيَدِهِ عَلَى الأرضِ - سَهلاً كانَ أو جَبَلاً - فَيُخرِجُ ماءً فَيَشرَبُونَ، قالُوا: يا رُوحَ اللّه ِ مَن أفضَلُ مِنّا؟ إذا شِئنا أطعَمْتَنا، وَإذا شِئنا سَقَيْتَنا، وَ قَد آمَنّا بِكَ وَاتَّبَعناكَ! قالَ عليه السلام: أفْضَلُ مِنكُم مَن يَعمَلُ بِيَدِهِ، وَ يـَأكُلُ مِن كَسْـبِهِ، فَصارُوا يَغسِلُونَ الثِّيابَ بِالكِراءِ.12)
وأيضا روي عن المسيح عيسى بن مريم أنه قال إلى الحواريين (بِحَقٍّ أقولُ لَكُم : إنَّ الأجرَ مَحرُوصٌ عَلَيهِ و لايُدرِكُهُ إلاّ مَن عَمِلَ لَهُ.13)
التوجه إلى الله والرضا بالله
(قيلَ لِعيسَى بْنِ مَرْيَمَ عليه السلام: كَيْفَ اَصْبَحْتَ يا رُوحَ اللّهِ؟ قالَ: اَصْبَـحتُ وَ رَبّى تَبارَكَ وَ تَعالى مِن فَوْقى، وَالنّارُ اَمامى، وَالْمَـوْتُ فى طَلَبى، لا اَمْلِكُ ما اَرْجُو، وَ لا اُطيـقُ دَفْـعَ مـا اَكْرَهُ، فَاَىُّ فَـقيرٍ اَفْقَرُ مِنّى.16) وأيضا ورد (وَ كانَ اِذا قيلَ لِعيسى عليه السلام: كَيْفَ اَصْبَحْتَ؟ قـالَ: اَصْبَحْتُ لا اَمْلِكُ نَفْـعَ مـا اَرْجُـو، وَ لا اَسْتَـطيعُ دَفْـعَ ما اُحاذِرُ، وَ اَصْبَحْتُ مُرْتَهِنا بِعَمَلى وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فى يَدِ غَيْرى، فَلا فَقَيرَ اَفْقَرُ مِنّى.16).
وأيضا ورد عن عيسى بن مريم على نبينا وآله وعليه السلام حول الرضا بالله (سُئلَ عيسى عليه السلام: ما أفضَلُ الأعمالِ؟ فَقالَ: الرِّضا عَنِ اللّه وَ الحُّبُ لَهُ.17)
التذكر بأن الآخرة هي دار القرار
روي عن عيسى بن مريم: (إنَّ الدُّنيا خُلِقَت مَزرَعَةً تَزرَعُ فيهَا العِبادُ الحُلوَ وَالمُرَّ وَالشَّرَّ وَالخَيرَ ، وَالخَيرُ لَهُ مَغَبَّةٌ 18 نافِعَةٌ يَومَ الحِسابِ ، وَالشَّرُّ لَهُ عَناءٌ وشَقاءٌ يَومَ الحَصادِ 19).
وأيضا روي أنه كان يقول في جمع الحواريين (إنَّما أعطاكُمُ اللّه ُ الدُّنيا لِتَعمَلوا فيها لِلآخِرَةِ ولَم يُعطِكُموها لِتَشغَلَكُم عَنِ الآخِرَةِ ، وإنَّما بَسَطَها لَكُم لِتَعلَموا أنَّهُ أعانَكُم بِها عَلَى العِبادَةِ ولَم يُعِنكم بِها عَلَى الخَطايا ، وإنَّما أمَرَكُم فيها بِطاعَتِهِ ولَم يَأمُركُم فيها بِمَعصِيَتِهِ ، وإنَّما أعانَكُم بِها عَلَى الحَلالِ ولَم يُحِلَّ لَكُم بِهَا الحَرامَ ، وإنَّما وَسَّعَها لَكُم لِتَواصَلوا فيها ، ولَم يُوَسِّعها لَكُم لِتَقاطَعوا فيها. 20)
1) المجلسي، محمدباقر، بحارالأنوار، ج 14، بيروت، نشر مؤسسة الوفاء،1403 ق، ص218.
2) المجلسي، محمدباقر، بحارالأنوار، ج13، بيروت، نشر مؤسسة الوفاء،1403 ق، ص162.
3) سورة آل عمران، الآية 45.
4) سورة النساء، الآية 157 و 158.
5) المجلسي، محمدباقر، بحارالأنوار، ج24، بيروت، نشر مؤسسة الوفاء،1403 ق، ص329.
6) الرضي، السيىد الشريف، نهج البلاغة، بيروت، نشر دار الكتب اللبناني، ص347.
7) الديلمي، حسن بن محمد، إرشاد القلوب إلى الصواب، ج1، قم، نشر الشريف الرضي،1412ق، ص157.
8) المجلسي، محمدباقر، بحارالأنوار، ج14، بيروت، نشر مؤسسة الوفاء،1403 ق، ص188.
9) الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي،ج4، تهران، نشر دار الكتب الإسلامية، 1407ق، ص 9.
10) الرضي، السيىد الشريف، نهج البلاغة، بيروت، نشر دار الكتب اللبناني، الحكمة 349.
11) المجلسي، محمدباقر، بحارالأنوار، ج68، بيروت، نشر مؤسسة الوفاء،1403 ق، ص301.
12) المجلسي، محمدباقر، بحارالأنوار، ج14، بيروت، نشر مؤسسة الوفاء،1403 ق، ص276.
13) الري شهري، محمد، ميزان الحكمة، قم، نشر دار الحديث، 1416 ق، ح 22083
14) سورة الأعراف، الآية 179.
15) الديلمي، حسن بن محمد، إرشاد القلوب إلى الصواب، ج1، قم، نشر الشريف الرضي،1412ق، ص205.
16) المجلسي، محمدباقر، بحارالأنوار، ج14، بيروت، نشر مؤسسة الوفاء،1403 ق، ص322.
17) الفيض الكاشاني، محمد بن مرتضى، المحجة البيضاء، ج8، قم، نشر الإنتشارات الإسلامية، 1383 ق، ص88.
18) الغِبُّ : عاقبة الشيء (القاموس المحيط : ج 1 ص 109).
19) المجلسي، محمدباقر، بحارالأنوار، ج14، بيروت، نشر مؤسسة الوفاء،1403 ق، ص314.
20) المجلسي، محمدباقر، بحارالأنوار، ج14، بيروت، نشر مؤسسة الوفاء،1403 ق، ص315.
