مجلة ريحانة الالكترونية

الامام الجواد عليه السلام المولود المبارك

في ليله العاشر من شهر رجب سنة 195 هجرية في بيت من بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، قد ولد مولود مبارك، من أب كريم رحيم وهو الإمام الرضا عليه السلام، ومن أم كريمة شريفة اسمها سبيكة النوبية، وأنها كانت من قوم مارية القبطية زوجة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، اسمه محمد، ولقبه الجواد.
وقد نقلت روايات عديدة بشأن ولادة هذا المولود المبارك عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وأهل بيته المعصومين عليهم السلام، تجعل الإنسان يتأملها؛ ليعرف مقام وعظمة هذا المولود المبارك.
منها ما قاله رسول الله صلى الله عيله وآله في حديث اللوح قبل ولادته بأكثر من 180 سنة: «وإنّ الله عزّوجلّ ركّب في صُلبهِ (أي: صلب الإمام الرضا) نطفةً مباركةً طيّبةً زكيّةً رضيّةً مرضيّة، وسمّاها (محمّدَ بن علي)، فهو شفيعُ شيعته، ووارثُ علم جَدّه، له علامةٌ بينّة، وحُجّةٌ ظاهرة، إذا وُلِد يقول: لا إله إلاَّ الله، محمّدٌ رسول الله».(1)
و منها ما قاله الإمام الكاظم عليه السلام بشأن ولده الإمام الرضا عليه السلام وبشارة بولادة ابنه الجواد عليه السلام: «انّه سيُولَد له غلامٌ أمينٌ مبارك».(2)
ومن أعجب ما قيل بشانه هو ما قاله الإمام الرضا عليه السلام في طفولة ابنه الجواد.
عَنْ يَحْيَى الصَّنْعَانِيِّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام، وهُوَ بِمَكَّةَ، وهُوَ يُقَشِّرُ مَوْزاً، ويُطْعِمُهُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام، فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَا الْمَوْلُودُ الْمُبَارَكُ؟
قَالَ عليه السلام: «نَعَمْ، يَا يَحْيَى! هَذَا الْمَوْلُودُ الَّذِي لَمْ يُولَدْ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلُهُ مَوْلُودٌ أَعْظَمُ بَرَكَةً عَلَى شِيعَتِنَا مِنْهُ».(3)
فبعد ذكر هذه الروايات الصادرة عن المعصومين عليهم السلام، نسلط الضوء عليها لنقف عندها وقفة عميقة حتى يظهر لنا حكمة هذا البيان وحكمة وجود البركة في هذه المولود!
و من تأمل ودقق النظر في هذه الروايات يظهر له نقاط متعددة ومفيدة، نذكر ثلاثة منها:
الأولى:
من بركات هذا المولود المبارك أن المسلمين قد قرؤا القرآن الكريم، وقد عرفوا أن عيسى بن مريم عليه السلام أعلن نبوته وهو في المهد، حيث قال:
﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾.(4)
وكان يحيى عليه السلام نبيا وهو صبي، وذلك كما قال الله تعالى: ﴿يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾.(5)
ولكن الناس لم يروا بأعينهم هذه المعاجز، ولم يشاهدوا كيف يكون الصبي نبيا؟ وأما ببركة ولادة هذا المولود ووصوله للإمامة بعد مضي حدود سبع سنوات من عمره قد أحرزوا أفضل وأوضح دليل لإثبات هذه النقطه الاعتقادية، فأثبت الله تعالى للناس نبوة عيسي ويحيي ببركة ولادة الإمام الجواد عليه السلام.
الثانية:
ان الإمام الجواد عليه السلام أول إمام بدأ إمامته مبكرة في صغر سنه وفي طفولته، ولم يسبق أحد من الأئمه المعصومين عليهم السلام، وبناء عليه، فهذا الإمام الهمام هو الذي تبنى بولادته إمكان تصدي الإمامة في الطفولة، مما يمهد لإمامة الإمام الحجة عليه السلام؛ إذ أن الإمام الحجة عليه السلام تولى لمنصب الإمامة الإلهية لاحقا، وهو صغير السن، لا يتعدى عمره خمس سنوات، وهذا قد يكون سبباً لعدم قبول الناس لإمامته (عجل الله تعالى فرجه)، خصوصاً وأنه سوف يغيب عن الأنظار، ولن يكون هناك مجال للقاء به إلا من خلال السفراء والمكاتبات.
فبعد ذلك يظهر للمتأمل بركة هذا المولود؛ لأنه لولاه ولولا إمامته في صغر سنه لصار قبول أمر الإمامة في الإمام المهدي عليه السلام أمرا صعبا.
الثالثة:
أن يكون هذا النص مشيراً إلى شبهة عقائدية وجدت في عصر الإمام الرضا عليه السلام وقويت، وكانت ولادة الإمام الجواد رداً عليها، وهدماً لأركانها، توضيح ذلك:
من المعلوم أنه بعد شهادة الإمام الكاظم عليه السلام ظهر تيار الوقف، وهم الذين قالوا بأن موسى بن جعفر لم يمت وإنما غاب، وسيعود وهو الإمام المهدي الذي بشرت به الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، فلم يتقبلوا إمامة الإمام الرضا عليه السلام، وقد ازداد التشكيك في إمامته، حتى وصل إلى بعض محبيه وشيعته؛ وذلك لما لاحظوا عدم تحقق الإنجاب للإمام حتى مضى من عمره الشريف سبعة وأربعين سنة، فصاروا يشككون في إمامته عليه السلام إذ لو كان إماماً لكان له خلف، ولما لم يثبت الخلف له؛ فهذا يدل على عدم صحة إمامته.
فلما ولد الإمام الجواد عليه السلام زالت هذه الشبهة ببركة قدومه، وزالت فكرة هذا التيار المنحرف، ولم يكن عندنا من بعد الواقفة فرقة في التشيّع فمن يقبل بإمامة الإمام الرضا عليه السلام يقبل بإمامة جميع الأئمة الاثناء عشر عليهم السلام.
 


1ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 61، ص 1/ ح 29 ـ الباب 6.
2ـ الكافي: ج 1، ص 313؛ إعلام الورى: ج2، ص 50؛ الإمامة والتبصرة:80.
3ـ الكافي:ج 6، ص 361.
4ـ سورة مريم: 30 و31.
5ـ سورة مريم: 11 و 12.
 

 

شارك هذا المقال

التعليق 0

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

من نحــن

مجلة ريحانة الالكترونية تعنى بجميع شؤون المرأة التي تناولها القرآن الكريم والسنة الشريفة. تعمل هذه المجلة تحت مجموعة شبكة رافد للتنمية الثقافية وهي مجموعة ثقافية تحت إشراف مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
علماً بأن عنوان هذه المجلة قد تم اقتباسه من الحديث الشريف عن أمير المؤمنين علي بن أبيطالب (عليه السلام): "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة".(نهج البلاغة)

أحدث المقالات

اسألي الفقيه