مجلة ريحانة الالكترونية

حميدة المصفّاة قدوة للنساء الصالحات

نسبها
حميدة المصفّاة، ابنة صاعد البربري، ويقال: إنها أندلسية، أم ولد تكنى لؤلؤة.
أن أبا عبد الله عليه السلام قال: حميدة مصفّاة من الأدناس، كسبيكة الذهب، ما زالت الاملاك تحرسها حتى أديت إلي كرامة من الله لي والحجة من بعدي (1).
قصة زواج الإمام الصادق عليه السلام بالسيدة حميدة سلام الله عليها
دخل ابن عكاشة ابن محصن الاسدي على أبي جعفر فكان أبوعبدالله عليه السلام قائما عنده ، فقدم إليه عنبا فقال : حبة حبة يأكله الشيخ الكبير أو الصبي الصغير ، وثلاثة وأربعة من يظن أنه لايشبع ، فكله حبتين حبتين ، فانه يستحب ، فقال لابي جعفر : لاي شئ لاتزوج أبا عبدالله عليه السلام فقد أدرك التزويج؟ وبين يديه صرة مختومة فقال : سيجئ نخاس من أهل بربر ينزل دار ميمون ، فنشتري له بهذه الصرة جارية.
قال : فأتى لذلك ما أتى ، فدخلنا يوما على أبي جعفر عليه السلام فقال : ألا اخبركم عن النخاس الذي ذكرته لكم؟ قد قدم فاذهبوا واشتروا بهذه الصرة منه جارية فأتينا النخاس فقال : قد بعت ما كان عندي إلا جاريتين مريضتين إحداهما أمثل من الاخرى قلنا : فأخرجهما حتى ننظر إليهما ، فأخرجهما ، فقلنا : بكم تبيع هذه الجارية المتماثلة؟ قال : بسبعين دينارا قلنا : أحسن؟ قال : لا أنقص من سبعين دينارا فقلنا : نشتريها منك بهذه الصرة مابلغت؟ وما ندري مافيها.
فكان عنده رجل أبيض الرأس واللحية قال : فكوا الخاتم وزنوا فقال النخاس : لاتفكوا فانها إن نقصت حبة من السبعين لم ابايعكم قال الشيخ : زنوا قال : ففككنا ووزنا الدنانير ، فاذا هي سبعون دينارا لاتزيد ولا تنقص ، فأخذنا الجارية ، فأدخلناها على أبي جعفر عليه السلام وجعفر عليه السلام قائم عنده ، فأخبرنا أبا جعفر عليه السلام بما كان ، فحمد الله ثم قال لها : ما اسمك؟ قالت : حميدة فقال : حميدة في الدنيا ، محمودة في الآخرة أخبريني عنك أبكر ، أم ثيب؟ قالت : بكر قال : كيف ولا يقع في يد النخاسين شئ إلا أفسدوه!؟ قالت : كان يجئ فيقعد مني مقعد الرجل من المرأة فيسلط الله عليه رجلا أبيض الرأس واللحية فلا يزال يلطمه حتى يقوم عني ففعل بي مرارا وفعل الشيخ مرارا فقال : يا جعفر خذها إليك فولدت خير أهل الارض موسى بن جعفر عليهما السلام (2).
ولادة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام
عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : حججنا مع أبي عبدالله في السنة التي ولد فيها ابنه موسى عليه السلام فلما نزل الابواء وضع لنا الغداء وكان إذا وضع الطعام لاصحابه أكثره وأطابه ، قال : فبينا نحن نأكل إذ أتاه رسول حميدة فقال : إن حميدة تقول لك : إني قد أنكرت نفسي وقد وجدت ما كنت أجد إذا حضرتني ولادتي وقد أمرتني أن لا أسبقك بابني هذا.
قال : فقام أبو عبد الله عليه السلام فانطلق مع الرسول فلما انطلق قال له أصحابه سرك الله وجعلنا فداك ماصنعت حميدة؟ قال : قد سلمها الله ، ووهب لي غلاما ، وهو خير من برأ الله في خلقه ، وقد أخبرتني حميدة ، ظنت أني لا أعرفه ، ولقد كنت أعلم به منها ، فقلت : وما أخبرتك به حميدة؟ قال : ذكرت أنه لما سقط من بطنها سقط واضعا يده على الارض ، رافعا رأسه إلى السماء ، فأخبرتها أن تلك أمارة رسول الله صلى الله عليه وآله وأمارة الوصي من بعده.
فقلت : وما هذا من علامة رسول الله صلى الله عليه وآله؟ ، وعلامة الوصي من بعده؟ فقال : يا أبا محمد إنه لما أن كانت الليلة التي علق فيها بابني هذا المولود أتاني آت فسقاني كما سقاهم ، وأمرني بمثل الذي أمرهم به ، فقمت بعلم الله مسرورا بمعرفتي مايهب الله لي فجامعت فعلق بابني هذا المولود ، فدونكم فهو والله صاحبكم من بعدي إن نطفة الامام مما أخبرتك ، فاذا سكنت النطفة في الرحم أربعة أشهر وانشئ فيه الروح ، بعث الله تبارك وتعالى إليه ملكا يقال له حيوان ، فكتب على عضده الايمن ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ‎﴾‏ (3) فاذا وقع من بطن امه وقع واضعا يده على الارض رافعا رأسه إلى السماء.
فاذا وضع يده على الارض فان مناديا يناديه من بطنان العرش من قبل رب العزة من الافق الاعلى ، باسمه واسم أبيه : « يافلان بن فلان اثبت ثلاثا لعظيم خلقتك أنت صفوتي من خلقي ، وموضع سري وعيبة علمي ، وأميني على وحيي ، وخليفتي في أرضي ، لك ولمن تولاك أوجبت رحمتي ، ومنحت جناني ، وأحللت جواري ثم وعزتي لاصلين من عاداك ، أشد عذابي ، وإن وسعت عليهم في الدنيا سعة رزقي «.
قال : فاذا انقضى صوت المنادي أجابه هو ، وهو واضع يده على الارض رافعا رأسه إلى السماء ، ويقول : ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‎﴾ (4) قال : فاذا قال : ذلك أعطاه الله العلم الاول ، والعلم الآخر ، واستحق زيارة الروح في ليلة القدر ، قلت : والروح ليس هو جبرئيل؟ قال : لا الروح خلق أعظم من جبرئيل إن جبرئيل من الملائكة ، وإن الروح خلق أعظم من الملائكة أليس يقول الله تبارك وتعالى : ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ‌ ﴾ (5).
أهمية تعليم المسائل الدينية للأم وتربية الأبناء بالتربية الدينية
المرأة يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا كأم في حياة الأسرة. توفر الأم بيئة هامة وأساسية لتربية الأطفال خلال فترة الحمل والرضاعة وعملية النمو في حضن نقي محب ومفعم بالعطف والمحبة. الحالات والصفات التي تتمتع بها الأم قبل الحمل يمكن أن تكون لها تأثير كبير في تربية الطفل وقدرته على استيعاب القيم الدينية. الأصل العائلي والإيمان القلبي والأخلاق والتغذية هي بعض العوامل التي يمكن أن تؤثر بشكل كبير في النمو الروحي للطفل خلال فترة الحمل.
حليب الأم هو أيضًا من بين العوامل التي تؤثر بشكل كبير في تربية الطفل بالقيم الدينية، ونمو الفضيلة الإنسانية، وتنمية معتقدات وأخلاقيات الطفل، وتنمية أعماله الصالحة بشكل كبير. تولي الأديان اهتمامًا كبيرًا بتعليم الأطفال العبادة، ويكون ذلك تحت مسؤولية الآباء والأمهات. نود أن نبحث عن شخصية السيدة حميدة المصفّاة، التي كانت زوجة مثالية وأمًا مخلصة تهتم بجميع قضايا أطفالها، وكانت عالمة تفيد المجتمع وتنشر علوم أهل البيت عليهم السلام، وتؤدي عنهم كل ما يضع في عاتقها.
اهتمامها بزوجها الإمام الصادق علیه السلام
قد أصبحت هذه السيدة الجليلة زوجة لحجة الله بعد أبيه وكانت تعتني بشأنه وخدمته وتلبية حاجاته ووقفت معه في البأساء والضراء, فلم يقتصر اهتمامها على أولادها فقط بل كانت تعتني بكل احتياجات زوجها وإمامها وتقدم له ما يسعده، حتى أنّه علیه السلام يذكر موقفاً من خدمتها له حيث يقول: « وَ لَقَدْ آذَانِي أَكْلُ الْخَلِّ وَ الزَّيْتِ حَتَّى إِنَّ حَمِيدَةَ أَمَرَتْ بِدَجَاجَةٍ فَشُوِيَتْ فَرَجَعَتْ إِلَيَّ نَفْسِي » (6).
تقوم بقضاء حقوق الشيعة
أنها كانت تعين الإمام الصادق علیه السلام في قضاء حوائج أهل المدينة، فقد جاء في الخبر عن الإمام موسى بن جعفر علیه السلام قال: « كَانَ أَبِي ع يَبْعَثُ أُمِّي (حميدة المصفّاة) وَ أُمَّ فَرْوَةَ تَقْضِيَانِ حُقُوقَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ » (7). فنفهم من ذلك أنّ الإمام الصادق علیه السلام بعدما تحولت إليه أدارة الأمة وشؤون الإمامة أخذ يستعين بالكوادر الكفوءة والنزيهة والتي من جملتهم زوجته حميدة المصفاة، وأمه أم فروة سلام الله عليهما.
حميدة المصفّاة سلام الله عليها من أهل العلم:
بالإضافة إلى كل المزايا التي تتمتع بها السيدة حميدة أنّ هناك طائفةً من الروايات تكشف لنا عن مدى علمها ودورها التبليغي في نهج الحق وبيان الأحكام، وأنّها سلام الله عليها قدوة لاسيما في المسائل الشرعية والحقوق، كما روي في الصحيح عن موسى بن القاسم عن صفوان بن يحيى عن عبد الرحمن ابن الحجاج قال : « سألت أبا عبد الله عليه ‌السلام وكنا تلك السنة مجاورين واردنا الاحرام يوم التروية فقلت : ان معنا مولودا صبيا فقال : مروا أمه فلتلق حميدة فلتسألها كيف تفعل بصبيانها؟ قال : فأتتها فسألتها فقالت لها : إذا كان يوم التروية فجردوه وغسلوه كما يجرد المحرم ثم احرموا عنه ثم قفوا به في الموقف ، فإذا كان يوم النحر فارموا عنه واحلقوا رأسه ثم زوروا به البيت ثم مروا الخادم ان يطوف به البيت وبين الصفا والمروة. وإذا لم يكن الهدي فليصم عنه وليه إذا كان متمتعاً » (8).
كيف زوجت أبنها الإمام موسى بن جعفر لأم الإمام الرضا عليه السلام
اشترت حميدة المصفاة وهي ام أبي الحسن موسى بن جعفر وكانت من أشراف العجم ، جارية مولدة ، واسمها تكتم وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة المصفاة حتى أنها ماجلست بين يديها منذ ملكتها إجلالا لها ، فقالت لابنها موسى عليه السلام : يابني إن تكتم جارية مارأيت جارية قط أفضل منها ولست أشك أن الله تعالى سيطهر نسلها إن كان لها نسل ، وقد وهبتها لك فاستوص بها خيرا ، فلما ولدت له الرضا عليه السلام سماها الطاهرة (9).
وفاتها
لم تصل أخبار ذلك اليوم الموجع بفقد السيدة حميدة، لكن من خلال ما مرّ في كراماتها وفضائلها، يمكن القول بأنها كانت من النسوة المعمّرات، لأنها أوّل امرأة يتزوّجها الإمام الصادق عليه ‌السلام وفي سنّ مبكرة من عمره الشريف، وبقيت معه في بيته إلى حين رحيله إلى جوار ربّه العزيز.. وبهذا تكون قد عاشت معه زهاء خمسين عاماً. وعلى هذا تكون قد أدركت إمامة ولدها الكاظم عليه‌ السلام وتوفّيت في زمان إمامته. فتحية إكبار وإجلال لك يا زوج الصادق العظيم واُم كاظم الغيظ الصابر المبتلى ، وسلام عليك في أمسك ويومك وغدك.
 

1ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 1 / الصفحة : 477/ ط الاسلامية.
2ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 48 / الصفحة : 6 / ط مؤسسة الوفاء ؛ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 1 / الصفحة : 477 / ط الاسلامية.
3ـ سورة الأنعام : الآية 115.
4ـ سورة آل عمران : الآية 18.
5ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 1 / الصفحة : 387 / ط الاسلامية ؛ وفي البحار الأنوار عنه.
6ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 4 / الصفحة : 260 / ط الاسلامية.
7ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 3 / الصفحة : 217 / ط الاسلامية.
8ـ تهذيب الأحكام / شيخ الطائفة الطوسي / المجلّد : 5 / الصفحة : 410.
9ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 49 / الصفحة : 5 / ط مؤسسة الوفاء.
 

شارك هذا المقال

التعليق 0

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

من نحــن

مجلة ريحانة الالكترونية تعنى بجميع شؤون المرأة التي تناولها القرآن الكريم والسنة الشريفة. تعمل هذه المجلة تحت مجموعة شبكة رافد للتنمية الثقافية وهي مجموعة ثقافية تحت إشراف مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
علماً بأن عنوان هذه المجلة قد تم اقتباسه من الحديث الشريف عن أمير المؤمنين علي بن أبيطالب (عليه السلام): "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة".(نهج البلاغة)

أحدث المقالات

اسألي الفقيه