مجلة ريحانة الالكترونية

هل فكرت المرأة الموظفة ؟

قبل أن أباشر الموضوع وأدخل في تفاصيله ، أحب أن أبدأه بمقدمتين

أساسيتين :
الأولى: لا خلاف بين الفقهاء في جواز عمل المرأة ، و انتسابها لمختلف الوظائف شريطة أن تحافظ على دينها و عفتها ، و هي أمور مطلوبة منها سواء أكانت في وظيفتها أم في أي مكان و وضع آخرين .
الثانية : تبقى الحاجة و الضرورة ضاغطتين على المرأة ، كي تقبل بمسلك الوظيفة ، لتؤمن الممكن من المال و المصروفات لنفسها و لعيالها في بعض الأوقات ، التي تكون فيها يد الزوج قليلة الحيلة ، فهناك عوائل كثيرة لا غنى لها عن راتب الزوجة أو البنت ، لتتخفف من الديون و تبتسم قليلا للحياة .
لا تمنع هاتان المقدمتان من السؤال التالي : هل فكرت المرأة الموظفة في أثر وظيفتها على حياتها العائلية ؟ هل سبق أن عرضت هذا السؤال على نفسها ؟ لا أقول ذلك لتندفع إلى ترك وظيفتها اعتباطا ، و إنما لكي تعي بعض المضاعفات التي تسببها الوظيفة ، فتسعى جاهدة لتجنبها أو التخفيف منها .
يتحدث بعض المتابعين للشؤون العائلية و الأسرية عن الطلاق العاطفي ، الذي يمكن أن يتسبب فيه انشغال المرأة بالعمل و الوظيفة ، و هم بالطبع لا يعتبرونه سببا يتيما في وجود مثل هذه المشكلة ( الطلاق العاطفي ) ، لكنهم يعتبرونه سببا مهما في وجودها .
يشير هؤلاء إلى قضايا متعددة في عدهم عمل المرأة أحيانا سببا للطلاق العاطفي ، فإذا اتفق دوام المرأة مع دوام الرجل ، فإنها في الغالب تصل بيتها متعبة مرهقة ، دون أن يشفع لها تعبها هذا أمام زوجها ( غالبا ) في ترك بعض مسؤولياتها أو التقصير فيها .
و هنا يكمن الفرق بين الرجل الموظف و المرأة الموظفة ، و هو أن وظيفة الرجل تنتهي بانتهاء دوامه في العمل ، ليأتي منزله و يستمتع بالراحة ، بل ليتحول أحيانا إلى عبء جديد على زوجته بكثرة طلباته ، أما الزوجة الموظفة فتنتهي من وظيفتها و تأتي منزلها لتبدأ وظيفة أكثر إرهاقا و تعبا .
إن الوصول للمنزل يعني بداية لمشوار جديد ، يفتتح بالطبخ و اعداد الطعام ، ثم تنظيف المنزل و ترتيب متناثراته ، دون أن ننسى غسيل الملابس ، و ما يتبعه من كي و ترتيب ، لينعطف المسير نحو الأولاد و رعايتهم ، و في الكثير من الأحيان تتكفل المرأة بمراجعة دروسهم و متابعة واجباتهم المدرسية .
هنا يمكن الانصات للتساؤل القائل ، ما الذي يتبقى عند المرأة من طاقة للحديث أو المرح أو المسامرة ، و ما مقدار الجهد المتبقي لديها لتعطي من مشاعرها و أحاسيسها و عواطفها لحياتها الزوجية ، بعد دوام محدود في وظيفتها ، و دوام مفتوح في منزلها و مع أولادها .
أما حين يختلف دوام المرأة و الرجل ، فما أن يأتي أحدهما إلى المنزل حتى يغادره الآخر ، فستكون مدة اللقاء بينهما محدودة و بسيطة ، مما يعني أنها لن تستطيع النهوض بمشاعر الزوجين إلى السكن و المودة و الرحمة ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ 1.
هنا تكون الحياة الأسرية مرهونة بوقت ضيق قد لا يوفي فيه كل شخص حقوق الآخر ، مما يسمح بتسرب الملل لحياة الزوجين ، و يهيئ الظرف المناسب لحالة الطلاق العاطفي .
إنني أفهم الأجواء المشجعة لعمل المرأة باعتباره ضرورة من ضرورات الرقي و التقدم الاجتماعي ، و أن ذلك يجب أن لا يربط بحاجات المرأة المادية ، أو الظروف الضاغطة التي قد تجبرها عليه ، لأن المرأة جزء من المجتمع الكبير ، و كل جهد منها سيساعد في تعجيل خطاها نحو التقدم و الرقي ، و سيساعد المرأة على مواكبة التحديات المقبلة .
لكن الذي لا أفهمه هو كيف يتنكر لعمل المرأة المنزلي من قبلنا نحن الرجال ؟ كيف أصبح التفرغ لإعداد أولادنا و العناية بهم ليس عملا ؟ و كيف أصبحت القيمة للمال الذي تجنيه الزوجة كبيرة و محترمة ، في الوقت الذي تلاشت فيه قيمة الجهد التربوي و العائلي الذي تصرفه المرأة لإسعاد أسرتها و أولادها ؟ و كيف ثبتنا أن وظيفتها ستسهم في التقدم و الرقي الاجتماعي و تنكرنا لتربيتها و اعتبرناها تخلفا لا رقي فيه ؟ 2 .

    1. القران الكريم: سورة الروم (30)، الآية: 21، الصفحة: 406.
    2. الشيخ محمد الصفار ـ « صحيفة اليوم » ـ 10 / 1 / 2009 م ـ 6:31 ص .

رابط الموضوع

شارك هذا المقال

التعليق 0

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

من نحــن

مجلة ريحانة الالكترونية تعنى بجميع شؤون المرأة التي تناولها القرآن الكريم والسنة الشريفة. تعمل هذه المجلة تحت مجموعة شبكة رافد للتنمية الثقافية وهي مجموعة ثقافية تحت إشراف مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
علماً بأن عنوان هذه المجلة قد تم اقتباسه من الحديث الشريف عن أمير المؤمنين علي بن أبيطالب (عليه السلام): "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة".(نهج البلاغة)

أحدث المقالات

اسألي الفقيه