مجلة ريحانة الالكترونية
عنوان الموقع : مجلة ريحانة الالكترونية
مدة القرائة: 5 دقائق  
بعد أن اتّفقت كلمة قريش على قتل النبي صلّى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم، وتعاهدت قبائلها على ذلك، ولم يبق له في مكّة ناصر ولا مكان يأوي إليه، أُذن له بالهجرة إلى المدينة، وتمّت الهجرة بسلام على الرغم من ملاحقة قريش ومطاردتها له، وبذلها الجوائز السنية لكلِّ من يرشدها إلى مكانه أو يقبض عليه.
 
وكان صلّى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم قبل هجرته أمر عليّاً عليه‌ السلام أن يبيت على فراشه، وأوصاه بما أهمّه، وأن يلتحق به مع الفواطم، وهنّ: السيدة فاطمة الزهراء عليها‌ السلام، وفاطمة بنت أسد أم امير المؤمنين عليه السلام، وفاطمة بنت الحمزة، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب؛ وكان عمر السيدة فاطمة عليها‌ السلام عند الهجرة ثمان سنين.
وبعد أن نفّذ الامام علي عليه‌ السلام وصايا الرسول صلّى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم، وأدّى الودائع والأمانات لأهلها، هيّأ للفواطم الرواحل، وأخرجهنّ من مكّة في طريقه إلى يثرب، وأشار على من بقي في مكّة من المؤمنين أن يتسلّلوا ليلاً إلى ذي طوى، حيث يسير الركب منها باتّجاه المدينة، وخرج هو في وضح النهار بالفواطم، ومعه أيمن ابن أمّ أيمن، وأبو واقد الليثي، فجعل أبو واقد يجدّ السير مخافة أن تلحقهم قريش، وتحول بينهم وبين إتمام مسيرة الهجرة، فقال له علي عليه‌ السلام: « ارفق بالنسوة يا أبا واقد، وارتجز يقول:

ليس إلّا الله فارفع ظنّكا
يكفيك ربّ الخلق ما أهمّكا

ولما شارف ضجنان أدركه طلب قريش، وكانوا ثمانية من فرسانهم، فاستقبلهم أمير المؤمنين عليه‌ السلام بسيفه، وشدّ عليهم حتّى فرّقهم عن ركب الفواطم، وقتل منهم جناح مولى حرب بن أُميّة، ولاذ الباقون بالفرار، ومكث أمير المؤمنين عليه‌ السلام في ضجنان قدر يومه وليلته، ولحق به نفرٌ من المستضعفين من المؤمنين، وفيهم أُمّ أيمن مولاة رسول الله صلّى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌، فظلَّ ليلته تلك هو والفواطم طوراً يصلّون، وطوراً يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، فلم يزالوا كذلك حتّى طلع الفجر، فصلّى علي عليه‌ السلام بهم صلاة الفجر، ثمّ سار لوجهه، فجعل يجوب منزلاً بعد منزل لا يفتر عن ذكر الله، والفواطم كذلك وغيرهنّ ممّن صحبه عليه‌ السلام حتّى قدموا المدينة، وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم بقوله: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا﴾ إلى قوله: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ﴾ الذكر: علي عليه السلام، والانثى فاطمة، ﴿بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾(1) يقول: علي من فاطمة أو قال: الفواطم، وهن من علي ﴿ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾ (2)، وتلا صلى الله عليه وآله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن یَشْرِی نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَاد﴾.(3)
وقال له: «يا علي! أنت أول هذه الأمة إيمانا بالله ورسوله، وأولهم هجرة إلى الله ورسوله، وآخرهم عهدا برسوله، لا يحبك والذي نفسي بيده إلا مؤمن قد امتحن الله قلبه للايمان، ولا يبغضك إلا منافق أو كافر».(4)
 


1ـ سورة آل عمران: الآية 191.
2ـ سورة آل عمران: الآية 195.
3ـ سورة البقرة: الآية 207.
4ـ بحار الأنوار: ج 19، ص 65 ـ 67.