مجلة ريحانة الالكترونية

مواقف الإمام الحسين(ع) السامية مع المرأة (1)

أدبه في الحوار معها
ورد في الأحاديث الشريفة ما يشير إلى أن الكلام علامة تدل

على علم صاحبه، وإشارة تشير إلى ذوقه، ومرآة كاشفة لأدبه وأخلاقه كما في قول أمير المؤمنين(ع):
"تكلموا تُعرفوا فإن الإنسان مخبوء تحت طي لسانه"(1) .
وكما في قول الإمام الباقر (ع):
"سلاح اللئام قبيح الكلام"(2).
فهذه الأحاديث تنطبق تمام الانطباق على سيد شباب أهل الجنة(ع) ولا عجب في ذلك لكونه الفرع الذي ينطق عن الأصل، وكونه(ع) ثمرة الشجرة الزيتونة المباركة، فلسانه لسان جده المصطفى(ص)، وأبيه المرتضى(ع) فعندما نتأمل حواره مع المرأة نلمس الاحترام الكامل والتوقير الوافر والأدب الرفيع كما في هذه الصور التاريخية التالية:
العطف على الموالية:
حديثه مع أم وهب في كربلاء وهو في خضم الهم والغم والحزن لفقدان الأحبة، وتكالب الأعداء وقلة الناصر، يتكلم الإمام (ع) معها بكل حنان وعطف ومسؤولية:
"ارجعي يا أم وهب، أنت وابنك مع رسول الله(ص) فإن الجهاد مرفوع عن النساء".
فامتثلت المرأة المطيعة لإمامها ورجعت وهي تقول: "إلهي لا تقطع رجائي"، فيرد الإمام الحسين(ع):
"لا يقطع الله رجاك يا أم وهب".
ليؤكد الإمام (ع) قوله بأنها ممن رضي الله تعالى عنهم ويبشرها بأنها حصلت على رجاها وأمنيتها، يا لهذا الخلق الرفيع المليء بالعبرة والموعظة.
الصورة -توقير الأم-
في حواره مع أمه القرآنية وزوجة جده رسول الله(ص) يعلمنا الإمام الحسين(ع) الأدب الإلهي والذوق الرفيع ومعنى الاحترام والتوقير الحسيني كما جاء في هذا النص الحواري.
وفي بعض الكتب: لما عزم على الخروج من المدينة أتته أمّ سلمة(رض) فقالت: يا بنيّ لا تحزنّي بخروجك من العراق، فإنّي سمعت جدّك يقول: "يقتل ولدي الحسين(ع) بأرض العراق في أرض يقال لها: كربلاء". فقال لها:
"يا أماه وأنا والله أعلم ذلك وأني مقتول بلا محالة، وليس لي من هذا بُدٌّ، وإني والله لأعرف اليوم الذي أقتل فيه، وأعرف من يقتلني، وأعرف البقعة التي أدفن فيها، وإنّي أعرف من يُقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي، وإن أردت يا أماه أريك حُفرتي ومضجعي".
ثم أشار إلى جهة كربلاء، فانخفضت الأرض حتى أراها مضجعة ومدفنه وموضع عسكره وموقفه ومشهده، فعند ذلك بكت أمّ سلمة بكاءً شديدًا، وسلّمت أمره إلى الله. فقال لها:
"يا أماه قد شاء الله عز وجل أن يراني مقتولاً مذبوحًا ظلمًا وعدوانًا، وقد شاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشرّدين، وأطفالي مذبوحين مظلومين مأسورين مقيّدين، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصرا ولا معينا".
الرأفة بالرحم
قال ابن قولويه: حدّثني أبي وجماعة مشايخي عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف، عن محمد بن يحيى المعاذي، قال: حدّثني الحسين بن موسى الأصم، عن عمرو بن شمر الجعفي، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن محمد بن علي(ع) قال:
"لمّا همّ الحسين (ع) بالشخوص عن المدينة، أقبلت نساء بني عبد المطلب فاجتمعن للنياحة حتى مشى فيهن الحسين(ع) فقال: أنشدكنّ الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله ولرسوله.
قالت له نساء بني عبد المطلب: فلمَ نستبقي هذه النياحة والبكاء، فهو عندنا كيوم مات فيه رسول الله(ص) وعلي(ع) وفاطمة(ع) ورقية وزينب وأم كلثوم، فننشدك الله جعلنا الله فداك من الموت فيا حبيب الأبرار من أهل القبور"(3).
ثم إنّ نساء بني هاشم أقبلن إلى أم هاني عمة الحسين(ع) وقلن لها: يا أم هاني أنت جالسة والحسين(ع) مع عياله عازم على الخروج، فأقبلت أم هاني فلما رآها الحسين(ع) قال: "أما هذه عمّتي أم هاني"؟ قيل: نعم، فقال: "يا عمّة ما الذي جاء بك وأنت على هذه الحالة".
فقالت: وكيف لا آتي وقد بلغني أنّ كفيل الأرامل ذاهب عني، ثم أنّها انتحبت باكية وتمثلت بأبيات أبيها أبي طالب(ع).
وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل
تطوف به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة وفواضل
ثم قالت: سيدي وأنا متطّيرة عليك من هذا المسير لهاتف سمعت البارحة يقول:
وإنّ قتيل الطف من آل هاشم أذلّ رقابا من قريش فذلّت
حبيب رسول الله لم يك فاحشا أبانت مصيبته الأنوف وخلّت
فقال لها الحسين(ع): "يا عمة لا تقولي من قريش ولكن قولي أذلّ رقاب المسلمين فذلّت"، ثم قال: "يا عمة كلُّ الذي مُقدرٌ فهو كائن لا محالة"، وقال(ع):
وما هم يغلبون ابن غالب ولكن بعلم الغيب قد قُدّر الأمر
فخرجت أم هاني من عنده باكية وهي تقول:
وما أم هاني وحدها ساء حالها خروج حسين عن مدينة جده
ولكنما القبر الشريف ومن به ومنبره يبكون من أجل فقده(4)
عند التمعن في هذه الصورة الرائعة نرى بوضوح حرصه على أن لا يكون سببًا في وقوع نساء بني هاشم في المعصية، وأن لا يكون سببًا في أذية عمته أم هاني، كما يظهر جليا رأفته وحنانه وعطفه على عمته وهو يخاطبها:
"يا عمة ما الذي جاء بك وأنت على هذه الحالة".
ونلمس أدبه الذي تربى عليه في حجر العصمة بمخاطبته لها "يا عمة...."، بل تظهر مداراته ويتجلى حبه الذي أغدقه على عمته من خلال تكراره لكلمة "يا عمة" في مقاطع متعددة مع الحوار.
الأخ الحنون
قال أبو مخنف، حدثني الحارث بن كعب وأبو الضحاك عن علي بن الحسين بن علي(ع) قال:
"إني جالس في تلك العشية التي قُتل أبي صبيحتها، وعمتي زينب عندي تمرّضني، إذ اعتزل أبي بأصحابه في خباء له، وعنده جون مولى أبي ذر الغفاري، وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول:
يا دهر أفٍّ لك من خليل كم لك بالإشراق والأصيل
من صاحب أو طالب قتيل والدّهرُ لا يقنع بالبديل
وإنّما الأمر إلى الجليل وكلُّ حيٍّ سالك السبيل
فأعادها مرتين أو ثلاثًا حتى فهمتها فعرفت ما أراد، فخنقتني عبرتي، فرددت دمعي ولزمت السكزن، فعلمت أن البلاء قد نزل.
فأمّا عمتي فإنّها سمعت ما سمعت -وهي امرأة، وفي النساء الرقّة والجزع- فلم تملك نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها- وإنها لحاسرة- حتى انتهت إليه، فقالت: واثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة! اليوم ماتت فاطمة أمّي، وعلي أبي، وحسن أخي، يا خليفة الماضي وثمال الباقي!
فنظر إليها الحسين(ع) فقال: "يا أخيّة! لا يُذهبنّ بحلمكِ الشيطانُ!.
قالت: بأبي أنت وأمي يا أبا عبد الله! أستقتل؟ نفسي فداك.
فردّ غصته وترقرقت عيناه وقال: "لو تُرك القطا ليلًا لنام!".
قالت: "يا ويلتى! أفتغضب نفسك اغتصابًا؟! فذلك أقرح لقلبي وأشدّ على نفسي!" ولطمت وجهها، وأهوت إلى جيبها وشقّته وخرّت مغشيًا عليها!.
فقام إليها الحسين(ع) فصبّ على وجهها الماء وقال لها:
"يا أخية اتقي الله وتعزّي بعزاء الله، واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون، وأنّ أهل السماء لا يبقون، وأنّ كلُّ شيء هالكٌ إلّا وجه الله الذي خلق الأرض بقدرته، ويبعث الخلق فيعودون، وهو فرد وحده، أبي خير مني، وأمي خير مني، وأخي خير منّي، ولي ولهم ولكلّ مسلم برسول الله أسوة".
فعزّاها بهذا ونحوه، وقال لها:
"يا أخية إني أقسم عليكِ فأبرّي قسمي، لا تشقّي عليّ جييًا، ولا تخمشي عليّ وجهًا، ولا تدعي عليّ بالبويل والثُّبور إذا أنا هلكت"، ثم جاء بها حتى أجلسها عندي"(5).
في ثلاثة مواطن يخاطب الإمام(ع) أخته بقوله "يا أخيّة" ويردّ فيها بالنصائح والإرشادات التي من شأنها الحفاظ على مرتبة الأخت الإيمانية، ثم يؤكد نصحه لها، يأخذ عليها الأيمان لكي لا تسمح لعاطفتها أن تطغي على ما يريد منها الإمام(ع) فيقول لها:
"يا أخيّة إني أقسم عليك فأبري قسمي ألّا تشقي عليّ جَيْبًا، ولا تخمشي عليّ وجهًا، ولا تدعي علي بالويل والثبور إذا أنا هلكت".
ثم بلغ حنانه وعطفه إلى أن جاء بها حتى أجلسها عند ولده زين العابدين وفي رواية أخرى عندما تسألاه أختاه زينب وأم كلثوم... يا أخي هذا كلام من أيقن بالقتل؟ فيقول "نعم يا أختاه".

 

ادامه دارد

رابط الموضوع

شارك هذا المقال

التعليق 0

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

من نحــن

مجلة ريحانة الالكترونية تعنى بجميع شؤون المرأة التي تناولها القرآن الكريم والسنة الشريفة. تعمل هذه المجلة تحت مجموعة شبكة رافد للتنمية الثقافية وهي مجموعة ثقافية تحت إشراف مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
علماً بأن عنوان هذه المجلة قد تم اقتباسه من الحديث الشريف عن أمير المؤمنين علي بن أبيطالب (عليه السلام): "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة".(نهج البلاغة)

أحدث المقالات

اسألي الفقيه