تُعدُّ فترة الدراسة في المدرسة من مراحل العمر الحساسة والمهمة جداً، حيث أنّ في هذه المرحلة تتكون شخصية الفرد وسوف ترافقه مدى حياته، ويتأثر الإنسان في هذه المرحلة بجميع ما يحيط به وكثير من العوامل تكون دخيلة في تكوين شخصيته، ففي هذه الفترة يتأثر الإنسان في صقل شخصيته بأصدقائه كثيراً، وبما أن الأنسان يعيش في المجتمع، ولا بد له من اختيار صديق في حياته، فيجب عليه أن يختار لنفسه صديقا طيبا يتصف بسمات إنسانية حتى لا يؤثر عليه سلباً.
وأهم عامل في صداقة الإنسان، هو المودة كما ورد ذلك في الرواية عن مولانا الإمام الحسن المجتبى عليه السلام: «القَريبُ مَنْ قَرَّبَتْهُ الْمَوَدَّة وَإنْ بَعُدَ نَسَبُهُ، وَالْبَعيدُ مَنْ باعَدَتْهُ الْمَوَدَّة وَإنْ قَرُبُ نَسَبُهُ». (1) يعني أن يكون بينهما مَحَبَّةٌ وَوِئَامٌ مما يجعل الترابط القلبي والعاطفي بينهما حميم ووثيق، أو بعبارة أخرى: شعور بالانسجام بين شخصين أو أكثر ينبع من الاحتكاك الاجتماعي والعاطفي الدائم.
والأصدقاء هم تلك الهالة الجميلة التي تحيط بالفرد، وتضيء طريق حياته عندما تسوّد الدنيا بعينيه، وهم الذين يكونون للمرء عضداً وسنداً له على مجابهة ومواجهة التحديات والمواقف الصعبة التي تواجه الفرد، فهنا يجب عليك أن تختار الصديق الجيد، وتعرف تدينه ومدى اهتمامه بالحلال والحرام، ونرى التأكيد في هذا معنى جاء في الخبر عن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام قال: «يا بُنَي لا تُواخِ اَحَدا حَتّی تَعْرِفَ مَوارِدَهُ وَمَصادِرَهُ، فَاِذَا اسْتَنْبَطْتَ الْخُبْرَةَ، وَرَضيتَ الْعِشْرَةَ، فَآخِهِ عَلی إقالَةِ الْعَثْرَةِ وَالْمُواساةِ فِي الْعُسْرَةِ». (2)
ومن ثم إذا ارتبطت بهذا الصديق، وجعلته كالأخ في العشرة، فهنا لا بد أن تسامحه في العثرة أو ما يسبب لك من مشكلة، وتواسيه في العسرة إذا تورط فيها، وهذه العلاقة يجب أن تكون من الطرفين في العشرة حتى يصفو لهما العيش الكريم والصداقة.
وقد ذكر المازندراني في شرحه على أصول الكافي: عن الإمام الصادق عليه السلام: (إذا أحبَبتَ أحَدا مِن إخوانِكَ فَأَعلِمهُ ذلِكَ) وأن تُعلم أخاك بمحبتك إياه هو سبب لتثبيت المودة في قلبكما فيحظى بها الطرفين وهو مجرب، وقد أخبرني بعض أخواني بها، وبالغ في صداقته، فلم أنسه منذ أخبرني بها، وأنا أيضا أبديت ودي وقلت لصديق آخر بأنه أحبّه، ثم لقيته بعد سنين طويلة، فهو أيضا أخبرني بأنه لم ينسني منذ أخبرته بها. (3)
ـــــ
1ـ إحقاق الحقّ، ج11، ص242.
2ـ تحف العقول، ص404.
3ـ شرح أصول الكافي: ج 11، ص 107.