مجلة ريحانة الالكترونية

كيفية الوصول الى قلب الأطفال

المؤلف : محمد عبد الرسول
الكتاب أو المصدر : كيف تربي اولادك
الجزء والصفحة : ص37ـ46

يقول احد الاشخاص : ( دخلت تجمعا جديدا عليَّ واستطعت أن أدخل في قلوب كل من صاحبتهم في هذا التجمع الا واحداً منهم، كما تقربت منه، شعرت بعدم ارتياحه لي، ولقد فكرت مليا في الدخول إلى قلبه، ووضعت خططاً، وطبقتها. الا ان شيئا منها لم يجدي..

وعندما وصلت إلى درجة القناعة بأني لا أستطيع ان افتح علاقة محبة معه. في هذه المرة حدث لي ان تحدثت معه، وكان صاداً بنصف وجهه عني، قلت له : اسمع مني يا حبيبي..
فجأة .. واذا بالرجل يوجه نظراته اليًّ، مركّزاً عينه في عيني، يستمع إلى كلامي بلهفة الحبيب، وما كدت ان اتوقف من كلامي حتى قال :
ماذا قلت .. حبيبي؟!
فظننت انه استنكر الكلمة، فقلت ما حول تدارك الموقف :
ـ نعم اني صادق. اني احبك كما احب نفسي..
واذا بالرجل يقاطع كلامي، ويقوم ليقبلني...
ومن تلك اللحظة، اصبح الرجل صديقاً حميما لي).
ـ جاء في الحديث :
(مر رجل بالمسجد وكان الامامان، ابو جعفر وابو عبدالله جالسين. فقال احد جلسائهما :
(اني والله لاحب هذا الرجل).
فقال له ابو جعفر الباقر (عليه السلام) :
ـ فاذهب اليه واعلمه بحبك، فانه ابقى للمودة وخير من الالفة واكثر في الاجتماع).
هكذا تؤثر كلمة الحب في الاخوان والاصدقاء.
ترى كيف هي مع الابناء؟.
يقول احد الاباء (اذا وددت ان تعلم كيف توقع ابنك في حبك، ما عليك الا ان تغمره بالحب).
وقال آخر : ( احب ابنك يحبك).
ولذلك يقول الامام الصادق (عليه السلام) :
(ان الله (عز وجل) ليرحم الرجل لشدة حبه لولده)(1).
وقال (عليه السلام) ايضاً:
قال موسى (عليه السلام) :
(يا رب ! أي الأعمال افضل عندك؟
قال :
ـ حب الأطفال ، فاني فطرتهم على توحيدي، فان امتهم ادخلتهم جنتي برحمتي.
وهنا يجدر بنا ايراد الملاحظة التالية : ليس هنالك من الاباء من يكره ابناءه الا ما ندر ،وحتى الذين يعلنون بغضهم وكرههم لأبنائهم بسبب النزاعات التي تحدث احياناً ـ وللأسف - بينهم وبين ابنائهم فانهم في الواقع يضمرون الحب لهم، ولا يمكنهم التخلي عنه.
حدث لي ذات مرة وكنت بصحبة احد الاباء في رحلة طويلة بالقطار، وكان هذا الاب رجلا طاعنا في السن، وله سلسلة من الابناء، كان كبيرهم قد تخاصم معه بعد شجار وخلاف عميق دام لعدة سنوات.
كان الاب هذا قد ذاق الويلات من ابنه العاق، وحينما كان يتحدث لنا عنه، كان يتأفف ويتألم كثيرا، وكان يقول بالحرف الواحد انه يكره ابنه هذا !
ولكني ـ في الواقع وجدت العكس تماما، فلم اجد فيه الكراهية، وانما رأيت فيه الحب لولده. وذلك من خلال حديثه المتكرر عن ابنه ومحاولة ابعاد نفسه عن سبب نشوب الفرقة واظهاره الاستعداد للصلح اذا جاءه ولده معتذراً.
ومن هنا فقد لا يشك احد بحب الاباء لأبنائهم، ولكن السؤال المهم هنا هو : هل ان الابناء يشعرون بحب ابائهم المكنون لهم؟.
ترى هل يشعر ولدك بحجم الحب الذي تكنه في قلبك اليه؟
أم إنه يخطئ التقدير العادل لحجم حبك له؟
ام انه قد يظن بانك لا تحبه ابداً ؟!
اذن لا يكفي ان تحب ولدك ما لم تشعره بحبك اياه.
والمشكلة تكمن حينما لا يلمس الابناء اثار الحب ـ وبالخصوص - عندما يقوم الاب بدور الآمر والناهي والزاجر، حينئذ فلا يجد الابن أي صورة للحب في وجه ابيه.
والسؤل الان :
كيف تشعر ابنك بحبك اياه؟
والجواب : هناك ثمانية امور صغيرة يمكنها ان تصنع المعجزات في اشعار الابناء بحبك اياهم، وتكسب قلوبهم، وتوطد العلاقة معهم وهي :
1ـ قبّل اولادك ..
يقول الامام الصادق (عليه السلام) :
( اكثروا من قبلة اولادكم فان لكم بكل قبلة درجة).
وجاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه واله) فقال :
(ما قبلت صبيا قط !..
فلما ولّى، قال النبي (صلى الله عليه واله) :
هذا رجل عندنا من اهل النار )(2).
2ـ ادخل السرور في قلوبهم :
يقول النبي (صلى الله عليه واله) :
(من فرّح ابنته كأنما اعتق رقبة من ولد اسماعيل، ومن اقر عين ابن فكأنما بكى من خشية الله)(3).
ويقول الامام امير المؤمنين (عليه السلام) :
(من قبل ولده كان له حسنة، ومن فرحه فرحهُ الله يوم القيامة ومن علمه القرآن دعي الابوان فكسيا حلتين يضيء من نورهما وجوه اهل الجنة)(4).
3ـ ارحمهم واعطف عليهم..
يقول رسول الله (صلى الله عليه واله) :
( احبوا الصبيان وارحموهم، واذا وعدتموهم ففوا لهم فانهم لا يرون الا انكم ترزقونهم).
ويقول (صلى الله عليه واله) فيما اوصى به امير المؤمنين (عليه السلام) :
(وارحم من اهلك الصغير ووقر الكبير).
وجاء الحديث :
وكان النبي (صلى الله عليه واله) : (اذا اصبح مسح على رؤوس ولده).
4ـ احسن اليهم ..
ذات يوم قال رجل من الانصار لابي عبد الله (عليه السلام) :
من ابر ؟
قال : والديك.
قد مضيا .
قال : بر ولدك (5).
ويقول النبي (صلى الله عليه واله):
(من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور .. فانه من فرح ابنة فكأنما اعتق رقبة من ولد اسماعيل، ومن اقر بعين ابن فكأنما بكى من خشية الله، ومن بكى من خشية الله ادخله الله جنات النعيم).
ويقول الامام الصادق (عليه السلام) :
(طبعت القلوب على حب من احسن اليها وبغض من اساء اليها).
5ـ قدم لهم الهدايا ..
يقول الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله) :
(الهدية تورث المحبة).
ان الهدية رمز المحبة، وكلما ازدادت الرموز، كلما تجذرت المحبة في نفس الإنسان.
والهدية ليست في قيمتها المادية، بل في قيمتها المعنوية ، فحينما تقدم لابنك هدية، قبل ان يتبادر إلى ذهنه القيمة المادية لها، سينتابه الشعور في نفسه بانك اكرمته واعليت مقامه، وغطيته بحلة جميلة من الحب الدافئ .
وبالتالي فانك من خلال ذلك تكون قد وصلت عبر اقصر الطرق إلى قلبه.
يقول الامام علي (عليه السلام) :
(ما استعطف السلطان، ولا إستسل سخية الغضبان، ولا إستميل المجهور، ولا إستنجح صعاب الأمور ولا إستدفعت الشرور، بمثل الهدية).
اذن للهدية دور كبير في تغيير مجرى الأمور، فحتى السلطان يمكن استمالته بواسطة الهدية، كذلك مع السلاطين فما اجمل ان يكون للهدية دور فعال في علاقة الوالدين بأبنائهم.
طلبت من فتى ـ ذات مرة - ان يذكر لي حادثاً - بينه وبين ابويه - ترك اثرا ايجابياً بالغا في حياته.
فقال الفتى بعد ان ابتسم مسرورا:
(الحادث الذي لا زال عالقا في مخيلتي منذ ايام الصغر، والذي ترك اثره السحري في نفسي هو الامر التالي :
ذات يوم واثناء لعبي. تسببت في تحطيم احدى زجاجات النافذة في بيتنا، ولما سمع بذلك والدي نهض من نومه غضبانا، ومسك بتلابيبي، وكان يرتعد من الهياج والعصبية، فضربني، وانهال علي كلمات اللوم والتقريع.
بعد ان انتابني الشعور، وبدا لي بان والدي يحب الزجاجة اكثر مما يحبني، وايقنت بذلك لما تذكرت تعنيفه اياي في الايام السالفة.
ولكن لم يمض من الوقت طويلا حتى جاءني والدي وضمني إلى صدره، وقدم لي ظرفا جميلاً كتب عليه العبارة التالية (هذه هديتي .. إلى ولدي الحبيب..).
لقد كانت هذه الهدية مثل المطر الذي ينزل على مزرعة قطع عنها الماء طويلاً.
ومنذ ذلك اليوم احضرت المحبة في فؤادي، وتعلقت بوالدي ايما تعليق).
اجل لا تنسى هذا الدور السحري ايها الاب الكريم وتذكر دائما قول الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله) اذ يقول :
(تهادوا فان الهدي تغسل السخائم (الأحقاد)).
6ـ اخبرهم بحبك اياهم..
يقول رسول الله (صلى الله عليه واله) :
( اذا احب احدكم احدا، فليخبره). ذلك لان الاحب في قلبك مثل العطر في زجاجة مغلقة، فاذا اردت ان تفوح رائحته الزكية ويشمها الاخرون، ولا بد لك ان ترفع الغطاء عندئذ. والا فان العطر سيبقى ولا يشعر بوجوده أي احد، ولربما حتى الذي يحمل زجاجة العطر فانه قد ينسى انه يحملها.
7ـ اسق شجرة الحب دائما :
في زحمة العيش، وتكاثر الاولاد، وصعوبة الحصول على السكن وقد يتبرم بعض الاباء من ابنائهم وتقبل نسبة الحب، ولربما قد يفكر البعض – احياناً - بتحديد النسل، والتخلص من ابنائه فيعمد إلى زجهم في اتون العمل، وهم بعد لما يقوون على ذلك.
هنا، وفي حالات اخرى مشابهة، يجب على الاب الحكيم ان لا يسمح لجذوة الحب ان تخبو وتنطفئ، وذلك يكون بالاعتماد على الله والتوكل عليه، طالما هو وعد ـ في قرانه الحكيم - بالتكفل للآباء والابناء معاً.
فقد قال الله عز وجل :
{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ }[الأنعام: 151].
وقال عز وجل ايضاً :
{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ }[الإسراء: 31].
8ـ كن وفيا معهم...
قد يعد الاب ابناءه بوعود، ولكنه لا يفي بها، فهو على ذنب لا كفارة معه، لان خلف الوعد يكسر الثقة بين الاب وابنه، والثقة مثل الزجاج اذا انكسرت لا يمكن اعادتها كما كانت في السابق.
يقول الامام علي (عليه السلام) :
(اذا وعدتم الصبيان، ففوا لهم، فانهم يرون انكم الذين ترزقونهم، ان الله عز وجل ليس يغضب لشيء كغضبه للنساء والصبيان)(6).
ويقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله) :
(اذا وعد احدكم صبيه فلينجز)(7) :
ذلك لأن الوفاء يعتبر عن الاحترام، والاحترام يعتبر ـ بالطبع ـ عن الحب.
أي لا يمكنك ان تحب انسانا وانت لا تحترمه بالقول والفعل.
اذن.. فاذا اردت ان تشعر ابنك بحبك اياه... عليك بتطبيق الاقتراحات العملية السالفة الذكر. وكلي رجاء بانك عامل بها ان شاء الله تعالى وذلك هو اقصر الطرق للوصول إلى قلوب الأطفال ومن ثم التأثير فيهم وجرهم لصالحك.
_______________
1ـ الوسائل : ج5، ص126.
2ـ بحار الأنوار: ج104، ص99.
3ـ مكارم الاخلاق: ص114.
4ـ فروع الكافي :ج6، ص49.
5ـ بحار الأنوار: ج104، ص98.
6ـ الكافي :ج6، ص50.
7ـ المستدرك: ج2، ص626.

شارك هذا المقال

التعليق 0

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

من نحــن

مجلة ريحانة الالكترونية تعنى بجميع شؤون المرأة التي تناولها القرآن الكريم والسنة الشريفة. تعمل هذه المجلة تحت مجموعة شبكة رافد للتنمية الثقافية وهي مجموعة ثقافية تحت إشراف مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
علماً بأن عنوان هذه المجلة قد تم اقتباسه من الحديث الشريف عن أمير المؤمنين علي بن أبيطالب (عليه السلام): "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة".(نهج البلاغة)

أحدث المقالات

اسألي الفقيه