مجلة ريحانة الالكترونية

في بيان معنى الرحم

« الرحم » لغة القرابة المطلقة ، وكذا عرفاً. وأورد ابو القاسم الراغب في مفرداته ان استعارته من رحم الانثى ، لكونهم خارجين من رحم واحدة ، وأصله الرحمة ، وذلك لانها مما يتراحم به ويتعاطف ، يقولون « وصلتك رحم

».

ومن أجل ما ذكرناه من اللغة والعرف ذهب علماؤنا الى تسمية القرابة المطلقة رحماً ، سواء الذكر والاثنى والوارث وغير الوارث والمحرم وغير المحرم والمسلم والكافر ، من قبل الاب والام أو من قبل أحدهما ، لان الاسم يتناول الجميع على السواء ولم يعهد في الشرع معنى آخر وضع هذا اللفظ له ، فوجب صرفه الى المتعارف ، كما هو المعهود من عادة الشرع.

ويؤيده ما رواه علي بن ابراهيم في تفسيره عن علي عليه‌السلام قال : قوله تعالى ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) نزلت في بني امية بقتلهم الحسين عليه‌السلام.

وذلك لانهم لصاق بعبد مناف ، بسبب أن اخاه ربى عبداً له رومياً اسمه « امية » ، والى ذلك اشار أمير المؤمنين عليه‌السلام لما كتب اليه معاوية « انما نحن وانتم بنو عبد مناف » : ليس المهاجر كالطليق ولا الصريح كاللصيق وبعض العامة قصر ذلك على المحارم الذين يحرم التناكح بينهم ان كانوا ذكوراً و اناثاً ، وان كانوا من قبيل يقدر احدهما ذكراً والاخر أنثى ، فان حرم التناكح بينهم فهم الرحم. محتجاً بأن تحريم الاختين انما كان لما يتضمن من قطيعة الرحم ، وكذا تحريم اصالة الجمع بين العمة والخالة وابنة الاخ و الاخت مع عدم الرضا عندنا ومطلقاً عندهم.

ويرده ما تقدم.

نعم يشترط أن لا يبعد الشخص جداً بحيث لا يعد في العرف انه من القرابة ، والا لكان جميع الناس أقرباء ، لاشتراكهم في آدم عليه‌السلام.

وللمفيد قول بارتقاء القرابة الى آخر أب وأم في الاسلام ، وهو قول الشيخ في النهاية ، ونقحه العلامة في القواعد بأن المراد بهمن يتقرب اليه ولو بأبعد جد أو جدة ، بشرط كونهما مسلمين ، فالجد البعيد ومن كان من فروعه وان بعدت مرتبته بالنسبة اليه معدود قرابة اذا كان مسلماً.

ويضعف بأنه قد لا يساعد العرف عليه ، فان من عرض تقربه الى جد بعيد جداً لايعد قرابة عرفاً وان كان الجد مسلماً ، للعلة المتقدمة.

وما قلناه أولاً مختار المبسوط والخلاف ، واليه ذهب ابن البراج وابن ادريس واكثر المتأخرين ، وقد مر وجهه.

ووجه الثاني قوله عليه‌السلام « قطع الاسلام ارحام الجاهلية » وقوله تعالى لنوح عن ابنه ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ).

ورده ابو القاسم جعفر بن سعيد في الشرايع بأنه غير مستند الى شاهد.

وتوجيهه : انتفاء النص الصريح فيه ، اذ لم يرد فيه الا هذه الرواية ، وهي مع تسليم سندها غير دالة على المراد ، لان قطع الرحم للجاهلية لا يدل على قطع القرابة مطلقاً مع أصناف الكفار وكذا قطع الاهلية عن نوح.

قال ابن الجنيد : القريب من تقرب من جهة الاب أو الوالدين.

قال : ولا اختار أن يتجاوز بالتفرقة ولد الاب الرابع ، لان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يتجاوز ذلك في تفرقة سهم ذوي القربى من الخمس ، ولا دلالة على أن ذوي القربى حقيقة في مستحق الخمس ، وانما ذلك أمر أراده الله تعالى وفسره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بدليل ما روى أنه لما نزل ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم ؟ قال : علي وفاطمة وابناهما. ذكره الزمخشري في الكشاف وغيره ، واخبارنا ناطقة بأن باقي الائمة المعصومين من قرباه الذين وجبت علينا مودتهم.

هذا معنى آخر للقرابة بالنسبة اليه عليه‌السلام سوى الاول ، وهو قاض بأن للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في القرابة معنى خاصاً به ، للقطع بأن القرابة في حق غيره عليه‌السلام لا يقتصر فيها على احدى بناته وأولادها وبعلها الذي من شجرته. فالمرجع حيئذ الى العرف.

وعن أبي حنيفة وابي يوسف عدم اطلاق اسم القريب على الجد وولد الولد والوالدين والولد حي ، لان عندهم من سمى والده قريباً كان عاقاً ، لان القريب من يتقرب الى غيره بواسطة الغير ، وتقرب الوالد والولد بنفسهما لا بغيرهما ، لقوله تعالى ( وَالأَقْرَبِينَ ) عطفه على الوالدين. ولا حجة فيه.

وقال فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير: لو أوصى لقرابته دخل قرابة الام في وصية العجم ولا تدخل في وصية العرب على الاظهر ، لانهم لا يعدون ذلك قرابة ، بخلاف ما لو أوصى لارحامه فانه يدخل قرابة الاب والام. والحق عدم الفرق.

شارك هذا المقال

التعليق 0

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

من نحــن

مجلة ريحانة الالكترونية تعنى بجميع شؤون المرأة التي تناولها القرآن الكريم والسنة الشريفة. تعمل هذه المجلة تحت مجموعة شبكة رافد للتنمية الثقافية وهي مجموعة ثقافية تحت إشراف مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
علماً بأن عنوان هذه المجلة قد تم اقتباسه من الحديث الشريف عن أمير المؤمنين علي بن أبيطالب (عليه السلام): "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة".(نهج البلاغة)

أحدث المقالات

اسألي الفقيه