مجلة ريحانة الالكترونية

عناية الإسلام بالجانب الروحي بين الزوجين

يضع الإسلام في طليعة اهتمامه مسألة توثيق العلاقة الروحية بين الزوجين قبل

وبعد عقد قرانهما ، حتى يصمدا في وجه رياح المصاعب والمصائب التي يمكن أن تعصف بعش الزوجية.
فليس خافياً بأن توثيق العلاقة مع الخالق تنعكس آثاره النافعة على المخلوق ، والملاحظ أن الإسلام يتبع خطة ثلاثية الأركان من أجل الارتقاء الروحي بالزوجين ، يمكننا الإشارة إليها بالنقاط التالية :
أولاً : المواظبة على الطاعات :
الطاعة تتحقق ـ واقعاً ـ من خلال تطبيق المنهج الرباني المعد سلفاً من أجل الارتقاء الروحي بالإنسان المسلم ، وتأتي « الصلاة » في طليعة تلك الطاعات ، فهي تربط الإنسان بربّه في أوقات متعاقبة ومنتظمة ، فستمد من خلالها شحنات روحية عالية ، الأمر الذي ينعكس ـ إيجابياً ـ على سلوكه وتعامله مع عائلته ، لا سيّما وأن الصلاة تقوم بدور الرّدع للإنسان المسلم عن الفحشاء والمنكر ، قال تعالى مخاطباً الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ( .. وَأقِمِ الصَّلأةَ إنَّ الصَّلأةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ .. ) (1).
ولذلك نجد أن الرسل والأنبياء ، أمرون أهلهم بالمحافظة على الصلاة ، ومن أبرز الشواهد على ذلك ما حكاه القرآن عن سلوك إسماعيل عليه السلام السوّي ، وكيف كان يأمر أهله بالطاعات ، قال تعالى : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إسْماعِيلَ إنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أهْلَهُ بِالصَّلأةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً ) (2).
كما نجد في القرآن خطاباً موجّهاً للرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأن يأمر أهله بالصلاة ويصطبر عليها ، والملفت للنظر هنا أن هذا الخطاب قد ورد بعد النهي عن النظر إلى نساء الآخرين ، الأمر الذي يعني أن الطاعات وخاصة الصلاة ، تُحصن الإنسان وأهله من المفاسد الاجتماعية. تدبّر جيداً في هذا المقطع القرآني الزاخر بالمعاني : ( وَلأ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأبْقَى * وَأْمُرْ أهْلَكَ بِالصَّلأةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لأ نَسْألُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) (3).
فمن الضرورة بمكان أن يحث ويشجع كل من الزوجين أحدهما الآخر على المحافظة على الصلاة التي تقربهما إلى الله تعالى وتبعدهما عن الفحشاء والمنكر ، خصوصاً وأن هذا الحثّ والتشجيع المتبادل يستتبع الثواب الجزيل ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « رحم الله رجلاً قام من الليل فصلّى وأيقظ امرأته فصلّت ، فإن أبت نضح في وجهها الماء ، رحم الله امرأةً قامت من الليل فصلّت وأيقظت زوجها ، فإن أبى نضحت في وجهه الماء » (4).
وفي هذا الاطار لابدّ من إلفات النظر إلى أن الإسلام قد ربط بين قبول الصلاة وكمالها ، وبين العلاقة الزوجية وطبيعتها ، ويكفي شاهداً على ذلك ما ورد في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم للإمام علي عليه السلام : « .. يا علي ثمانية لايقبل منهم الصلاة .. والناشزة وزوجها عليها ساخط .. » (5).
من جانب آخر يعتبر الصيام أحد الطاعات التي تفرز معطيات روحية واجتماعية أبرزها التقوى وابتلاء اخلاص الخلق ، قال تعالى : ( يا أيُّها الَّذينآمنوا كُتب عليكم الصيامُ كما كُتب على الَّذين من قبلكم لعلَّكم تتّقون .. ) (6).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : « فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك ، والصلاة تنزيهاً عن الكبر ، والزكاة تسبيباً للرزق ، والصيام ابتلاءً لاخلاص الخلق .. » (7). ولاشكّ بأن الإخلاص للخالق يستتبع إخلاصاً في التعامل مع المخلوقين وخاصة مع الأهل أو الزوج.
ثم إنَّ الصيام يكتسب قبوله وكماله من الالتزام السلوكي العالي للفرد المسلم مع الآخرين ، عن فاطمة الزهراء عليها السلام أنها قالت : « ما يصنع الصائم بصيامه إذا لم يغضّ لسانه وسمعه وبصره وجوارحه » (8). فهو يقوم بعملية ضبط واعية لجوارح الفرد ويردعه عن الإساءة للآخرين ، كما يساهم في خلق حالة من السكينة والاطمئنان في نفسه ، قال الإمام الباقر عليه السلام : « والصيام والحجّ تسكين للقلوب » (9).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة العنكبوت : 29 / 45.
2) سورة مريم : 19 / 54 ـ 55.
3) سورة طه : 20 / 131 ـ 132.
4) سنن أبي داود 2 : 70 / 1450 باب الحث على قيام الليل. ط ـ دار الفكر.
5) مكارم الأخلاق / الطبرسي : 500.
6) سورة البقرة : 2 / 183.
7) نهج البلاغة ، ضبط صبحي الصالح : 512 / حكم 252.
8) دعائم الإسلام : 268 ، وبحار الأنوار 96 : 295.
9) أمالي الطوسي 1 : 302 ، وبحار الأنوار 78 : 183.

 

شارك هذا المقال

التعليق 0

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

من نحــن

مجلة ريحانة الالكترونية تعنى بجميع شؤون المرأة التي تناولها القرآن الكريم والسنة الشريفة. تعمل هذه المجلة تحت مجموعة شبكة رافد للتنمية الثقافية وهي مجموعة ثقافية تحت إشراف مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
علماً بأن عنوان هذه المجلة قد تم اقتباسه من الحديث الشريف عن أمير المؤمنين علي بن أبيطالب (عليه السلام): "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة".(نهج البلاغة)

أحدث المقالات

اسألي الفقيه