مجلة ريحانة الالكترونية

حقوق الله على عباده

تتفاوت الحقوق بتفاوت أربابها ، وقِيم

عطفهم وفضلهم على المحسنين إليهم .
فللصديق حقٌّ معلوم ، ولكنّه دون حقّ الشقيق البار العطوف ، الذي جمع بين آصرة القربى وجمال اللطف والحنان .
وحقّ الشقيق دون حقّ الوالدين ، لجلالة فضلهما على الولد وتفوقه على كلّ فضل .
وبهذا التقييم ندرك عظمة الحقوق الإلهيّة ، وتفوّقها على سائر الحقوق ، فهو المنعم الأعظم الذي خلق الإنسان ، وحباه مِن صنوف النِّعَم والمواهب ما يعجز عن وصفه وتعداده : {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ} [لقمان : 20] .
{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا } [النحل : 18] .
فكيف يستطيع الإنسان حدّ تلك الحقوق وعرضها ، والاضطلاع بواجب شكرها ، إلاّ بعون اللّه تعالى وتوفيقه .
فلا مناص من الإشارة إلى بعضها والتلويح عن واجباتها ، وهي بعد إحراز الإيمان باللّه والاعتقاد بوحدانيّته ، واتّصافه بجميع صِفات الكمال وتنزيهه عمّا لا يليق بجلال إلوهيّته .
1 - العبادة :
قال عليّ بن الحسين ( عليه السلام ) : ( فأمّا حقُّ اللّه الأكبر فإنّك تعبدُه ، لا تُشرك به شيئاً فإذا فعلت ذلك بإخلاص ، جعل لك على نفسه أنْ يكفيك أمر الدنيا والآخرة ، ويحفظ لك ما تحبُّ منها ) .
والعبادة لغةً : هي غاية التذلّل والخضوع ، لذلك لا يستحقّها إلاّ المُنعم الأعظم الذي له غاية الأفضال والإنعام ، وهو اللّه عزَّ وجل .
واصطلاحاً هي : المواظبة على فعل المأمور به .
وناهيك في عظمة العبادة وجليل آثارها وخصائصها في حياة البشر :
إنّ اللّه عزَّ وجل جعلها الغاية الكُبرى من خلقهم وإيجادهم ، حيث قال : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات : 56 ، 57] .
وبديهي أنّ اللّه تعالى غنيٌّ عن العالمين ، لا تنفعه طاعة المطيعين وعبادتهم ، ولا تضرّه معصية العصاة وتمرّدهم ، وإنّما فرض عبادته على الناس لينتفعوا بخصائصها وآثارها العظيمة الموجبة لتكاملهم وإسعادهم .
فمِن خصائص العبادة : أنّها مِن أقوى الأسباب والبواعث على تركيز العقيدة ورسوخ الإيمان في المؤمن ، لتذكيرها باللّه عزَّ وجل ورجاء ثوابه ، والخوف مِن عقابه ، وتذكيرها بالرسول الأعظم ، فلا ينساه ولا ينحرف عنه .
فإذا ما أغفل المؤمن عبادة ربِّه نساه ، وتلاشت في نفسه قِيَم الإيمان ومفاهيمه ، وغدا عُرضةً للإغواء والضلال . فالعقيدة هي الدوحة الباسقة التي يستظلُّ المسلمون في ظلالها الوارفة النديّة والعبادة هي التي تصونها وتمدّها بعوامل النموّ والازدهار .
والعبادة بعد هذا مِن أكبر العوامل على التعديل والموازنة ، بين القوى الماديّة والروحيّة ، التي تتجاذب الإنسان وتصطرع في نفسه ولا تتسنّى له السعادة والهناء إلاّ بتعادلها . ذلك ، أنّ طُغيان القوى الماديّة واستفحالها يسترق الإنسان بزخرفها وسلطانها الخادع ، وتجعله ميّالاً إلى الأثرة والأنانيّة ، واقتراف الشرور والآثام ، في تحقيق أطماعه الماديّة .
فلا مناصّ - والحالة هذه - من تخفيف جماح المادّة والحدّ من ضراوتها ، وذلك عن طريق تعزيز الجانب الروحي في الإنسان، وإمداده بطاقات روحيّة ، تعصمه من الشرور وتوجّهه وجهة الخير والصلاح .
وهذا ما تحقّقه العبادة بإشعاعاتها الروحيّة ، وتذكيرها المتواصل باللّه تعالى ، والدأب على طاعته وطلب رضاه .
والعبادة بعد هذا وذاك : اختبار للمؤمن واستجلاء لأبعاد إيمانه .
فالإيمان سرٌّ قلبيٌّ مكنون ، لا يتبيّن إلاّ بما يتعاطاه المؤمن مِن ضروب الشعائر والعبادات الكاشف عن مبلغ إيمانه وطاعته للّه تعالى .
وحيث كانت العبادة تتطلّب عناءً وجهداً ، كان أداؤها والحفاظ عليها دليلاً على قوّة الإيمان ورسوخه ، وإغفالها دليلاً على ضعفه وتسيّبه .
فالصلاة كبيرةٌ إلاّ على الخاشعين ، والصيام كفّ النفس عن لذائذ الطعام والشراب والجنس والحجّ يتطلّب البذل والمعاناة في أداء مناسكه ، والزكاة منح المال الذي تعتزّ به النفس وتحرص عليه ، والجهاد : هو الإقدام على التضحية والفداء في سبيل الواجب ، وكلّها أمورٌ شاقّة على النفس .
من أجل ذلك كان أداء العبادة والقيام بها بُرهاناً ساطعاً على إيمان صاحبها وطاعته للّه عزّ وجل.
2 - الطاعة :
وهي الخضوع للّه عزّ وجل وامتثال جميع أوامره ونواهيه .
ولا ريب أنّها مِن أشرف المزايا ، وأجل الخلال الباعثة على سعادة المطيع وفوزه بشرف الدنيا والآخرة ، كما نوّهت بها الآيات الكريمة والأخبار الشريفة :
قال تعالى : {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [الأحزاب : 71].
وقال سُبحانه : {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [النساء : 13] .
وقال الإمام الحسن الزكي ( عليه السلام ) : ( وإذا أردت عزّاً بلا عشيرة ، وهيبةً بلا سلطان ، فاخرج مِن ذلّ معصية اللّه إلى عزِّ طاعة اللّه عزّ وجل ) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( اصبروا على طاعة اللّه ، وتصبّروا عن معصية اللّه ، فإنما الدنيا ساعة ، فما مضى فلست تجد له سروراً ولا حزناً ، وما لم يأت فلست تعرفه ، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها فكأنّك قد اغتبطت ) (1) .
3 - الشكر :
وهو : عرفان نعمة المنعم ، وشكره عليها ، واستعمالها في مرضاته .
والشكر خلّة مثاليّة يقدّسها العقل والشرع ، ويحتمها الضمير والوجدان ، إزاء المحسنين من الناس .
فكيف بالمنعم الأعظم الذي لا تحصى نعماؤه ، ولا تُعدّ آلاؤه ؟، مِن أجل ذلك حثّت الشريعة على التحلّي به ، في نصوص عديدة مِن الآيات والروايات .
قال تعالى : {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم : 7].
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( مَن أُعطِيَ الشكر أُعطِي الزيادة ، يقول اللّه عزّ وجل : {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم : 7])(2) .
وقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( الطاعم الشاكر ، له مِن الأجر كأجر الصائم المحتسب ، والمعافى الشاكر ، له مِن الأجر كأجر المبتلى الصابر . والمعطى الشاكر ، له من الأجر كأجر المحروم القانع )(3) .
4 - التوكّل :
وهو : الاعتماد على اللّه عزّ وجل في جميع الأُمور ، وتفويضها إليه ، والإعراض عمّا سواه .
والتوكّل ، هو من أجل خصائص المؤمنين ومزاياهم المشرفة ، الموجبة لعزّتهم وسموّ كرامتهم وارتياح ضمائرهم ، بترفعهم عن الاتّكال والاستعانة بالمخلوقين ، ولجوئهم وتوكّلهم على الخلاق العظيم القدير في كسب المنافع ودرء المضار .
لذلك تواترت الآيات والآثار في تمجيد هذا الخُلق ، والتشويق إليه .
قال تعالى : { إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ } [آل عمران : 160].
وقال تعالى : {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } [الطلاق : 3].
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( إنّ الغنى والعزّ يجولان ، فإذا ظفرا بموضع التوكّل أوطنا )(4) .
وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في وصيّته للحسن ( عليه السلام ) : ( وألجئ نفسك في الأُمور كلّها إلى إلهك ، فإنّك تلجئها إلى كهف حريز ، ومانع عزيز ) .
______________________

الوافي : ج 2 ، ص 67 عن الكافي .
الوافي : ج 3 ، ص 67 عن الكافي .
الوافي : ج 3 ، ص 56 عن الكافي .

 

شارك هذا المقال

التعليق 0

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

من نحــن

مجلة ريحانة الالكترونية تعنى بجميع شؤون المرأة التي تناولها القرآن الكريم والسنة الشريفة. تعمل هذه المجلة تحت مجموعة شبكة رافد للتنمية الثقافية وهي مجموعة ثقافية تحت إشراف مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
علماً بأن عنوان هذه المجلة قد تم اقتباسه من الحديث الشريف عن أمير المؤمنين علي بن أبيطالب (عليه السلام): "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة".(نهج البلاغة)

أحدث المقالات

اسألي الفقيه