مجلة ريحانة الالكترونية
عنوان الموقع : مجلة ريحانة الالكترونية

لقد تفشّى الظلام في أرجاء الأرض، والفُقراء باتوا يكثُرون يوماً بعد يوم، ولم يعد الناس يشعرون بالأمن والأمان، وظلوا يتعوّدون على الأذى والتعب، فيظلم القويُّ الضعيفَ منهم، ونسى الناس المحبّة والمودّة والأخوّة.

لكن لا يمكن أن يستمرّ هذا الوضع هكذا؛ لأنّ الخالق هو الله الذي من صفاته العدل، فكيف يمكن أن لا يجعل لنا نوراً في هذه الظلمات.
يا إلهي.. خطر ببالي أمراً قد ذهب عن ذهني وهو أنّه في يوم لم يعرفه إلّا الله، يخرج المهدي المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، وينهى الظلام، وَتُشْرِقُ اَلْأَرْضُ بِنُورِهِ (1)، ولم يبق ظلاماً ظاهراً كان أم باطناً في أرجاء الأرض، وَيَبْلُغُ سُلْطَانُهُ اَلْمَشْرِقَ وَاَلْمَغْرِبَ (2)، يَمْلَأُ اَلْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً (3). هذا ما شهد به الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) قائلاً: وَاَلَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبِيّاً لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ اَلدُّنْيَا إِلاَّ يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اَللَّهُ ذَلِكَ اَلْيَوْمَ حَتَّى يَخْرُجَ فِيهِ وَلَدِي مَهْدِيٌّ (4)، وقد أكد الله (عزّ وجلّ) ذلك في كتابه الحكيم بقوله: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (5).
لا يتحقق كلّ هذا إلّا بوجود أشخاص ينصرون الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) المذكور في الروايات أنّهم 313 شخصاً، من بين هؤلاء خمسون من النساء اللاتي ينصرن الحجّة (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) لكي يستطيع أنْ يحقق ذلك الهدف السامي ألا وهو لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (6).
القنواء بنت رشيد الهَجَري، سيّدة جليلة القدر ومن ثقات محدّثي الإمامية، من تلك النساء الخمسين. عاصرت الإمام الصادق (عليه السلام)، ونقلت عنه (عليه السلام) بعض الأحاديث، وكان أبوها كذلك من الذين عاصر أمير المؤمنين (عليه السلام)، ونقل عنه أحاديثاً، وهي روت عن أبيها عن أمير المؤمنين (عليه السلام).
من الأحاديث المرويّة عنها:
1. قَالَتْ: قُلْتُ لِأَبِي: مَا أَشَدَّ اِجْتِهَادَكَ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ سَيَجِيءُ قَوْمٌ بَعْدَنَا بَصَائِرُهُمْ فِي دِينِهِمْ أَفْضَلُ مِنِ اِجْتِهَادِ أَوَّلِهِمْ (7).
2. عَنْ أبِي الْجَارُودِ قَالَ: سَمِعْتُ الْقِنْوَاء بِنْتَ الرُّشَیْدِ الْهَجَرِيّ تَقُولُ: قَالَ أَبِي: یَا بُنَیَّة أَمِیتِي الْحَدِیثَ بِالْکِتْمَانِ وَاجْعَلِي الْقَلْبَ مَسْکَنَ الْأَمَانَة (8).
3. عن أبي حسان العجلي، قال: لقيت أمة الله بنت رشيد الهجري، فقلت لها: أخبريني بما سمعت من أبيك.
قالت: سمعته يقول: قال لي حبيبي أمير المؤمنين (عليه السلام): يا رشيد، كيف صَبرُكَ إذا أرسل إليك دعي بني أمية فقطع يديك ورجليك ولسانك؟
فقلت: يا أمير المؤمنين (عليه السلام)، أيكون آخر ذلك إلى الجنة؟
قال: نعم يا رشيد، وأنت معي في الدنيا والآخرة.
قالت: فوالله ما ذهبت الأيام حتى أرسل إليه الدعي عبيد الله بن زياد، فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين (عليه السلام)، فأبى أن يتبرأ منه، فقال له ابن زياد: فبأي ميتة قال لك صاحبك تموت؟
قال: أخبرني خليلي صلوات الله عليه أنك تدعوني إلى البراءة منه، فلا أتبرأ، فتقدمني، فتقطع يدي ورجلي ولساني.
فقال: والله لأكذبن صاحبك، قدموه، فأقطعوا يده ورجله، واتركوا لسانه، فقطعوه، ثم حملوه إلى منزلنا
فقلت له: يا أبه جعلت فداك، هل تجد لما أصابك ألما؟
قال: والله لا يا بنية إلا كالزحام بين الناس.
ثم دخل عليه جيرانه ومعارفه يترجعون له، فقال: إئتوني بصحيفة ودواة أذكر لكم ما يكون ممّا أعلمنيه مولاي أمير المؤمنين (عليه السلام)، فأتوه بصحيفة ودواة، فجعل يذكر، ويملي عليهم أخبار الملاحم والكائنات، ويسندها إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فبلغ ذلك ابن زياد، فأرسل إليه الحجام حتى قطع لسانه، فمات من ليلته تلك (رحمه الله)، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يسميه رشيد المبتلى، وكان قد ألقى (عليه السلام) إليه علم البلايا والمنايا، فكان يلقى الرجل فيقول له: يا فلان بن فلان تموت ميتة كذا، وأنت يا فلان تقتل قتلة كذا، فيكون الأمر كما قاله رشيد (رحمه الله) (9).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1و2و3و4) بحارالانوار، ج51،ص71.
5) نور: 55.
6) التوبة: 33.
7) المحاسن، ج1، ص251.
8) الاختصاص، ص77.
9) الأمالي للطوسي، ص165.