مجلة ريحانة الالكترونية

الَشبَاب ومُشكـِلـة الثَقافَة وَالإِنتمَاء الَفِكِري

 

أن مما يميز إنسانية الإنسان أنه كائن عاقل مفكر يُنمي فكره ومعارفه عن طريق التفكير

والتجارب والتعلم من الآخرين . وإن من الغرائز الأساسية التي يشترك فيها الإنسان والحيوان هي غريزة التجمع , أو ما يسميها علماء النفس غريزة القطيع . فالحيوانات والطيور والأسماك تتجمع في شكل جماعات ومجموعات في المراعي وأثناء السير والإستراحة والهجرة والبحث عن الطعام والشراب .
وقد عبر المثل العربي عن ذلك بقوله : ( إن الطيور على أشكالها تقع ) .
فتتجمع هذه الحيوانات المتماثلة مع بعضها البعض . كما يتجمع الناس في المجالس والنوادي ومواقع الإجتماعات المتعددة .
ومن الواضح أن الطفل ينشأ في بيئة محددة الثقافة والحضارة والأنتماء الفكري والثقافي . فتساهم تلك البيئة في تكوين شخصيته وتحدد نمط حياته , فمنها يكتسب وبها يتأثر .
ولكن القرآن الكريم يرفض طريقة التبعية غير الواعية , ويهاجمها بشدة , ويطالب بالوعي والتأمل .
وتوظيف العقل في إختيار الطريق الأسلم , وتحديد الإنتماء الفكري على وعي وبصيرة . قال تعالى : (( قل هذه سبيلي أدعوا الى الله على بصيرة أنا من أتبعني )) (1) . ولقد أستنكر القرآن الكريم طريقة الإنتماء البيئي غير الواعي أو تقليد الآباء والأجداد من غير فهم ولا تمحيص ولا تمييز بين الخطأ والصواب في العديد من آياته المباركة منها قوله : (( وإذا قيل لهم تعالوا الى ما أنزل و الى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولايهتدون )) (2) .
وينقل لنا القرآن معناة الأنبياء والرسل من التحجر الفكري لدى أممهم والوقوف على الموروث الثقافي المتردي لدى شعوبهم فقال : (( وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على امة وإنا على آثارهم مقتدون )) (3) .
وحذر الرسول (ص) من تبعية الإمعة الذي لا يحدد موقفه وإنتماءه عن وعي وقناعة علمية , ويعيش مقلداً تابعأً للآخرين فقال (ص) : ( لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا , وأن ظلموا ظلمنا , ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا , وأن أساؤوا فلا تطلموا ) (4) .
إن من القضايا المتأصلة في أعماق الأنسان هي طبيعته البشرية , وإنتماؤه الشعوري واللاشعوري الى الجماعة , كالإنتماء الى الأسرة والعشيرة والى المدينة والإقليم والنادي والفريق الرياضي وغيرها من أُطر الإنتماء أو التجمع .
ومن الطبيعي أن الجيل الجديد يشهد تحولات إجتماعية وطروحات فكرية وسياسية جديدة . فالحياة حركة وتحول وتواصل . ويختلف حجم تلك التحولات حسب ظروف المجتمع وأوضاعه , فجيل الشباب الذي عاصر بداية الدعوة ومرحلة النبوة مثلاً كان قد واجه تحولاً فكرياً وحضارياً عظيماً في السعة والعمق والشمول . فكان هو جيل الرسالة , وكان أنصار الأسلام هم من جيل الشباب والناشئين في الأعم الإغلب .
وهكذا تشهد الإحصاءات أن جيل الشباب في عصرنا الحاضر هم حملة الإسلام لاسيما في الجامعات والمعاهد والمدارس , ذكوراً وإناثاً .
وجيل الشباب المسلم , كما هو مهيأ لتقبل الفكر الإسلامي والإنتماء إليه بقوة وحيوية وإخلاص فإنه عرضة الى تيارات الفكرية والسياسية المنحرفة , أذ كانت ولازالت بعض الأجهزة الإعلامية والكتب الهدامة وقصص الأفلام والمسرحيات والشعر وغيرها من وسائل النشر هي الوسائل والأدوات لأحتواء جيل الشباب . في حين لم يعرف بعض الشباب ما أنطوى عليه الموقف من خطط سرية وأهداف عدوانية للقضاء على الدين في نفوس المسلمين , والإبقاء على تخلفهم وغوزهم فكرياً وحضارياً .
وربما حرك أعداء الأسلام بعض الحركات والتيارات الهدامة والجماعات التكفيرية لضرب كل بادرة خير في مهدها , وقبل أن يقوى عودها ويستفحل أمرها , ليتسنى لأعداء الدين الوصول الى غاياتهم وأهدافهم المريضة الشريرة .
وهنا لابد أن يكون الشباب ذكوراً وإناثاً على وعي تام مما يجري خلف الستار وما يحاك للأمة من مؤامرات خبيثة , وأن يصححوا مفهوم الأنتماء الى الدين, وأن يثقفوا أنفسهم من مصادر الثقافة الأصيلة الحقة .
ولابد للشباب أن تكون لديهم شخصية ثقافية وهوية حضارية واضحة المعالم . وهوية الشاب المسلم الثقافية هي الهوية الإسلامية . ولا يعني ذلك أن كل حصيلته الثقافية هي مجوعة من المعلومات الدينية . وإن كان الإهتمام بها مطلوباً , إنما نعني بالثقافة الإسلامية وعي الحياة والمعرفة والسلوك والطبيعة من خلال المنهج الإسلامي .
فالمثقف المسلم يتعامل مع مفهوم الحرية السياسية والدولة والجنس , والعلاقة مع الله والثروة والذات والفكر من خلال الفهم والمنهج الإسلامي .
فالشاب المسلم إذن بحاجة الى فهم العقيدة الإسلامية والأحكام الشرعية السيرة النبوية الصحيحة , والإلمام بالسنة المطهرة ومفاهيم القرآن , و أن يبداً بتكوين ثقافته من خلال الكتاب المخلصين والمفكرين المؤمنين , ليكون قادراً على التمييز بينما هو إسلامي وبينما هو غير ذلك .
والذي نخشاه أن يكون الشاب ضحية الأزمات والصراعات الفكرية التي يعج بها مجتمعنا اليوم وهو يعيش ثورة جبارة في نقل المعلومات بواسطة الإنترنت والقنوات الفضائية والصحافة والحاسوب الآلي وغيره .
فلا يوجد الآن بيننا وبين ثقافات العالم أي جاجز لذا ينبغي أن نمييز بين الأستفادة من ثقافات الأمم وفق ما تمليه عليه شريعتنا الغراء , وبين الذوبان وفقدان الهوية الثقافية .
وفي كل الأحوال فإن تكوين الثقافة الإسلامية وتحديد المسار الصحيح هو واجب الإنسان المسلم نفسه .
وتتحمل المؤسسات الإسلامية مسؤولية توزيع المطبوعات النافعة , وإصدار النشرات والدوريات , وبث الوعي الديني في حملة الكلمة الطيبة وهم المبلغون والخطباء , ليصل من خلالهم الى الشباب في مناطق عملهم .
و ان نشّد على أيدي أخواننا المرابطين في ثغور التشييع ومن حولهم أعزاؤنا الشباب المؤمنون أينما كانوا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هود : 108 .
(2) النساء : 61 .
(3) سبأ : 34 .
(4) ميزان الحكمة : 3 / 2620 .

رابط الموضوع

شارك هذا المقال

التعليق 0

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

من نحــن

مجلة ريحانة الالكترونية تعنى بجميع شؤون المرأة التي تناولها القرآن الكريم والسنة الشريفة. تعمل هذه المجلة تحت مجموعة شبكة رافد للتنمية الثقافية وهي مجموعة ثقافية تحت إشراف مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
علماً بأن عنوان هذه المجلة قد تم اقتباسه من الحديث الشريف عن أمير المؤمنين علي بن أبيطالب (عليه السلام): "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة".(نهج البلاغة)

أحدث المقالات

اسألي الفقيه