مجلة ريحانة الالكترونية

المرأة بين جاهليتين

مقدمة :

هناك نوعان من الضغوط تواجه الإنسان عبر حياته ، نوع يأتيه من مجتمعه ، والآخر

يصب عليه من تاريخه .

 

وإن فقد الإنسان استقلاله أمام هذين الضاغطين ، فإنه لا محالة سيفقد إنسانيته ، أي تنعدم في حياته الصفة التي كرَّمه الله بها على كثير مما خلق ، وما قيمة الإنسان بلا استقلال ، وبلا إحساس بشخصيته .

والمرأة إنسان كرَّمها الله سبحانه وتعالى بهذه الصفة ، وهي أيضاً واجهت تلك الضغوط بنوعيها ، ولكن بشكل أكبر .

فلقد عانت من ضغط المجتمع بكل صُوَرِه ، وعانت من ضغط التاريخ قديماً وحديثاً .

المرأة في حركة التاريخ :

إن حركة المرأة في التاريخ حركة بطيئة جداً ، بسبب الظروف الفكرية ، والاجتماعية ، والسياسية ، والاقتصادية .

ولذلك سقطت المرأة في براثن تَخَلُّفٍ وجَهل المجتمعات لمكانة المرأة ، وموقعها .

وبذلك بقيت المرأة عبر تاريخها تقوم من جاهلية وتقع في جاهلية أخرى ، وسنتحدث في السطور القليلة القادمة عن هاتين الجاهليتين .

الجاهلية الأولى :

لقد كان النظام الجاهلي إلى حَدٍّ ما يقسو على المرأة ، وقد ظُلِمَت المرأة بالتقييم والحقوق .

أما ما لاقته من الاحتقار والازدراء عندهم فحدِّثْ ولا حرج ، ولاقَتْ من انحطاط الشأن ، وإهانة الكرامة ، وخدش العزة .

وكانت تعيش في المجتمع الجاهلي أوقات يشوبها الخوف ، وعدم الطمأنينة ، وذلك لعدة أسباب ، أهمها :

الأول : السبي :

إن الحروب المستمرة بين القبائل على عهد الجاهلية الأولى كانت تبيح الاسترقاق والسبي ، وكان يعتبر أحد الأهداف الهامَّة في الحرب ، من أجل كسر شوكة القبيلة المُضَادَّة ، وبذلك تصبح المرأة سلعة تباع وتشترى .

الثاني : وَأْد البنات :

وهنا يرفض المجتمع والعائلة البنت والفتاة ، ويُحكَم عليها بالموت ، لا لسبَبٍ إلا لأنها فتاة .

ولأن وجودها عَبَث وعَار وذُل ، حسب تصوراتهم ومعتقداتهم المريضة ، وذلك بسبب الخوف من السبي ، وبسبب الفقر والحاجة .

الثالث : الزواج :

من الأمور التي حَطَّت من شأن المرأة في المجتمع الجاهلي هي أنواع الزيجات المتَّبَعة ، التي تجعل المرأة لعبة بيد الرجل دون مراعاة حقوقها ، وأمثلة ذلك :

1 - نكاح البدل .

2 - نكاح الذوَّاق .

3 - نكاح الرهط .

4 - نكاح الخدن .

الرابع : التخلف الثقافي :

والسبب الأخير هو التخلف العقائدي والفكري .

ولذلك وقعت المرأة في حفرة الجاهلية الأولى ، وبذلك كَابَدَت وَيلات وظلامات جعلتها تتخبط في دياجير التخلف ، والتقهقر ، والتراجع ، في ميادين العمل والعطاء .

وهذه النظرة مستمرة ، وسائِدَة ، مما جعل المرأة تسقط في جاهلية من نوع آخر .

وهناك أسباب أخرى مثل حرمانها من الميراث ، بل أحياناً تُعتَبَر جزءاً منه ، وغيرها من الأسباب التي سَبَّبَتْ إهمال المرأة ، ووقوع الظلم عليها .

وقد خضعت المرأة لهذه الضغوط بِسَبب غياب القانون الذي يضمن للمرأة حقوقها ، ويرسم لها منهجاً قويماً ، وكذلك بسبب غياب الحرِّيَّة العامة التي تتدخل في مجالات الحياة .

الجاهلية الثانية ( المعاصرة ) :

إن الجاهلية المعاصرة ، أو حركة التغريب ، هي كالجاهلية القديمة مهما اختلَفَتْ في مظهرها ، وأساليبها .

لأن جوهرها واحد ، وهو الانحراف عن الهَدْي الإلهي ، الذي لا ينتج إلا الظلم ، والفساد ، والعذاب .

إن سبب هذه الجاهلية هي حركة التغريب التي يقودها الغرب ، والذي جعل من المرأة أداة له لتنفيذ أهدافه الحقيقية ، في تدمير كياننا الفكري والاجتماعي ، كما دمَّرُوا كياننا السياسي والاقتصادي .

وإذا كان الغربيُّون ينادون ، ويعملون لتغيير واقع المرأة العربية والمسلمة ، لأنه سَيِّيء ، فلماذا لا يعلمون لتغيير الأوضاع السيئة الأخرى ، كالمرض ، والجهل ، والفقر ، والبؤس ، والأوضاع الاقتصادية المتدنِّية ، كما يعملون على هذه السيئات في بلادهم ؟ .

إن الغرب مُستغِلٌّ ، لا يهمه سِوَى تحريض وتعويد المرأة على الاستهلاك والاهتمام بالكماليات ، من أجل أن تبقى بلادنا مرتعاً لنفوذهم ، وسوقاً تستهلك سِلَعهم .

ومقابل كل ذلك النفط ، فهو الثروة الأولى ، والهدف الحقيقي ، لاستغلالهم لها كما استغلَّتها الجاهلية الأولى .

إن الجاهلية الحاضرة صَوَّرت القيمة الأولى للمرأة في إبراز جسدها في مسابقات الجمال ، التي ابتدعتها ، وجعلت النساء كالجواري اللاَّئي كُنَّ يُعرَضْن في أسواق النخاسة في الجاهلية الأولى ، ليختارهُنَّ من يشتري .

وتقدمت هذه الجاهلية في استغلال المرأة ، بطرح شعارات رَنَّانة ، وبمساعدة وسائل الإعلام .

مما دفع المرأة إلى الاستجابة إلى الحياة المادِّيَّة المعاصرة باندفاع ، آملة أن ترفع ظلم الجاهلية الأولى وقسوتها .

ولكن الجاهلية اليوم تفوَّقَت على جاهلية الأمس في إساءتها للمرأة ، بِخُبْث الأسلوب ، وشِدَّة القساوة .

فجعلَتْها عُنصُرُ جَذبٍ لمستهلكي البضائع ، بالدعَاية المصوَّرة ، كما استغلَّتها أسواق التجسس في السياسة ، للحصول على المعلومات ، وغيرها من أنواع الاستغلال .

لقد اتفقت الجاهليَّتان في إسقاط القيمة الإنسانية للمرأة ، فَكِلتَاهما تتعاملان معها على أنها جسد ناقص الإنسانية .

ولا تزيدان في قيمتها على قيمة جسدها ، فَهُمَا تنظران إليها على أنَّها متاع وحاجة للغير لا أكثر ، وإن اختلفتا في أسلوب التعبير عن هذه النظرة .

فهل تستطيع المرأة التخلص من براثن الجاهليتين ؟ وما هو الحل ؟

الخَلاص :

إنَّ الحل هو ذلك النور الذي يزيح عن المرأة كل مشاكِلِها ، وهو الإسلام الذي يرفض البلاء القديم ، ويرفض البلاء الحديث .

الإسلام الذي وقف في وجه الجاهلية الأولى ، وهو الذي ينقذنا من ويلات الجاهلية الثانية .

إن مشروع الإسلام لإنقاذ المرأة عَطَّلَتْه رواسب الجاهلية ، وأبعدته عن التطبيق .

فحياة المرأة في العصور الإسلامية عبارة عن امتداد لحياتها في الجاهلية ، وذلك بسبب تلك الروَاسب التي خَلَّفتها الجاهلية في المجتمع ، والأفكار والمعتقدات في كل العصور ، سواء الأموي ، أو العباسي ، أو المماليك ، وغيرها ، وحتى يومنا هذا .

إن مفهوم الإسلام عن المرأة لم يطبَّق إلا في حدود ضيقة ، وهو مفهوم راقٍ لا يتلائم مع المفهوم الذي ساد تاريخنا بشكل عام .

والتشريعات الإسلامية تشريعات راقية ، شَمَلت كافَّة نواحي حياة المرأة المدنية ، والحقوقية ، ورفعتها إلى مستوى لم تبلغه أي تشريعات قديمة وحديثة .

كما أن الإسلام جعل المرأة في سُلَّم أولويَّات التغيير ، الذي قام به ، فكفل أمور تربيتها ، وحرَّم وأدها .

كما أعطاها حُرِّيَّة الملكية ، ومنحها الاستقلال الاجتماعي ، والاقتصادي ، وكذلك ألزمها بواجبات اجتماعية وسياسية .

إن المستقبل للإسلام ، لأنه الحَلّ الذي سيفرض نفسه ، وقد تراجعت الجاهلية القديمة ، وقد بدأت الجاهلية الحديثة بالانهزام .

وإنه الحَلّ الأفضل لِكُلِّ المشاكل ، فهو الذي يحقِّق لها حياة سعيدة ، وهو الذي سيقضي على الجاهليتين ، وهو الميزان العادل الذي أعلَنَه الله سبحانه وتعالى لتقييم الفرد ، سواء أكان امرأة أم رجلاًَ .

فيقول عزَّ وجلَّ في كتابه العزيز : ( أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ) آل عمران : 195 .

رابط الموضوع

شارك هذا المقال

التعليق 0

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

من نحــن

مجلة ريحانة الالكترونية تعنى بجميع شؤون المرأة التي تناولها القرآن الكريم والسنة الشريفة. تعمل هذه المجلة تحت مجموعة شبكة رافد للتنمية الثقافية وهي مجموعة ثقافية تحت إشراف مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
علماً بأن عنوان هذه المجلة قد تم اقتباسه من الحديث الشريف عن أمير المؤمنين علي بن أبيطالب (عليه السلام): "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة".(نهج البلاغة)

أحدث المقالات

اسألي الفقيه