مجلة ريحانة الالكترونية

الزواج المؤقت - بعض المسائل التي ترتبط بالمهر

في المهر
لقد احترم الإسلام المرأة وجعل لها كياناً واستقلاليّة، بخلاف ما يدّعيه البعض

من حجبها وعدم الاعتراف بشخصيّتها، لذا شرّع لها المهر الذي تأخذه من الزوج مقابل ما تقدّم له من طاقات أفنت في طلبها عمرها، وليس ذلك ثمناً لأن العمر لا يثمّن، ولكنّها سنّة إلهيّة جعلها الإسلام شرطاً في الزواج الذي هو أسمى من أن يقيّم بالمادّيات، وممّا يؤسف له أنّ البعض حوّلوا المهور إلى تجارة والمرأة إلى بضاعة، فأضاعوا الهدف السامي الذي سُنّ الزواج لأجله وشُرّع المهر لِسببه.
وقد يكون التعامل السلبي لبعض الرجال مع زوجاتهم أدّى بالأولياء أن ينظروا للمهر هذه النظرة، والحقّ معهم لأنّهم أرادوا أن يضمنوا مستقبل بناتهم، ويجعلوهنّ في أمان من تهوّر بعض الأزواج، ولكن لا يُقطع دابر المعروف بسبب عدم أهليّة البعض له، ولا نجعل غلاء المهور سبباً مخوّفاً للشباب ورادعاً إيّاهم عن الزواج، بل كما قال(عليه السلام): إعمل المعروف مع أهله فإن لم يكن له أهل فانت أهله.
1 ـ ويسمّى المهر الصداق أيضاً: وهو ما تستحقّه المرأة بجعله في العقد أو بتعيّنه بعده أو بسبب الوطىء، أو ما هو بحكمه من مبلغ أو شيء آخر يمكن أن يملكه المسلم، بشرط أن يكون قابلا للانتقال عرفاً على الأحوط لزوماً، سواء كان ديناً في ذمّة الزوج، أو عيناً يملكها كدار مثلا، أو منفعة لعين مملوكة من دار أو عقار أو حيوان أو نحوهما، وكذلك يصح أن يكون المهر عمل الزوج نفسه كتعليمها قراءة سورة من القرآن الكريم مثلا أو تعليمها صنعة وحرفة، وهكذا كلّ عمل محلّل، بل ويجوز أن يجعله حقّاً ماليّاً قابلا للنقل والانتقال كحقّ التحجير(1).
2 ـ لا يوجد مقدار معيّن للمهر شرعاً من جانب القلّة، ويكفي ما تراضيا عليه الزوجان ولو كان حبّة حنطة، وكذلك لا تقدير له من جانب الكثرة، ولكن يستحب أن لايجوز مهر السّنّة، وهو المهر الذي كان لمولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) ومقداره خمسمائة درهم، فلو أراد أن يجعله أكثر جعل الزائد عن مهر السنّة هدية لها.
3 ـ لا بدّ من تعيين المهر بما يخرجه عن الإبهام والترديد، فلو أمهرها أحد شيئين مردّداً أو خياطة أحد ثوبين بطل المهر ولم يبطل العقد وكان بهاء(2) الدخول بها مهر المثل وهو مهر النساء اللواتي مثلها بحسب شأنها إلاّ إن يزيد على أقلهما قيمة فيتصالحان في مقدار التفاوت. ولا يعتبر أن يكون المهر معلوماً على النحو المعتبر في البيع وشبهه من المعاوضات، فيكفي مشاهدة عين حاضرة وإن جهل كيلها أو وزنها، أو الصبرة من الطعام أيّ (الكومه) منه، أو قطعة من الذهب، أو طاقة (طول) مشاهدة من القماش أو صبرة حاضرة من الجوز، وأمثال ذلك.
4 ـ لو تزوّج كافران من أهل الذمّة وكان المهر في زواجهما خمراً أو خنزيراً صحّ العقد والمهر، ولو أسلما قبل القبض فللزوجة قيمته عند مستحليّه(4)، ولو أسلم أحدهما قبله فلا يبعد لزوم القيمة أيضاً.
ولو تزوّج المسلم على أحدهما(3) صحّ العقد وبطل المهر، وللمرأة ـ إذا دخل بها ـ مهر المثل، إلاّ أن يكون المسمّى أقلّ قيمة منه فيتصالحا في مقدار التفاوت.
5 ـ ذكر المهر ليس شرطاً في صحة العقد الدائم، فلو عقد على امرأة ولم يذكر لها مهراً أصلا، بأن قالت الزوجة للزوج مثلا: (زوجّتك نفسي)، أو قال وكيلها: (زوجت موكّلتي فلانه)، فقال الزوج: (قبلت) صحّ العقد، بل لو صرّحت الزوجة بعدم المهر بأن قالت: (زوّجتك نفسي بلا مهر) فقال الزوج (قبلت) صحّ العقد، ويقال لذلك تعويض المبلغ.
6 ـ لو عقد المرأة ولم يعيّن لها مهراً جاز أن يتراضيا بعد العقد على شيء، سواء كان المقدار الذي يتراضيا عليه بمقدار مهر أمثالها أو أقلّ منه أو أكثر، فيصبح ذلك مهراً لها كالمهر المذكور في العقد.
7 ـ لو عقد على المرأة ولم يسمّ لها مهراً، ولم يتفقا على تعيينه بعده لم تستحقّ المرأة شيئاً قبل الدخول، إلاّ إذا طلّقها فحينئذ تستحقّ أن يعطيها شيئاً بحسب حاله من الفقر والغنى واليسار والإعسار، ويسمّى ذلك الشيء الذي يعطى (بالمتعة) ولهذا يشير قوله تعالى: « وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ »(5).
أمّا لو انفصلا قبل أن يدخل بالمرأة بأمر غير الطلاق لم تستحقّ المرأة شيئاً عليه بسبب عدم الدخول، وهكذا لو مات أحدهما قبل الدخول، أمّا لو دخل بها فإنّها تستحقّ مهر أمثالها من النساء.
8 ـ المعتبر في مهر المثل ملاحظة حال المرأة وصفاتها من السنّ والبكارة والنجابة، والعفة والعقل والأدب، والشرف والجمال والكمال و... بل يلاحظ كلّ ماله دخل في العرف والعادة في ارتفاع المهر ونقصانه، فتلاحظ أقاربها وعشيرتها وبلدها، وغير ذلك من الخصوصيّات التي يختلف المهر باختلافها، والظاهر دخالة حال الزوج في ذلك أيضاً.
9 ـ إذا عقد امرأةً على مهر معيّن وكان في نيّته أن لا يدفعه إليها صحّ العقد، ووجب عليه دفع المهر.
10 ـ إذا جعل المهر مشتركاً بين الزوجة وبين أبيها، بأن يعطي نصفاً لها ونصفاً لأبيها مثلا، أو جعل مهرها عشرين على أن يكون عشرة لها وعشرة لأبيها، سقط ما سمّاه للأب ولا يستحقّ أبوها شيئاً، ولو لم يجعل المهر شراكة بينهما ولكن اشترط عليها أن تعطيه شيئاً من مهرها صحّ.
وكذلك يصحّ لو جعل شيئاً زائداً عن مهرها لشرطها عليه ذلك، أمّا لو شرط الزوج اشتراك المهر بينها وبين أبيها خارج العقد ولم يجعل العقد مترتّباً عليه فلا يصحّ هذا الشرط ولا يستحقّ الأب شيئاً.
11 ـ المبلغ الذي يأخذه الأب أو بعض الأقارب وهو ما يسمى بـ (شيربها)(6)ليس جزءاً من المهر، بل هو شيء آخر يؤخذ زائداً عليه، ويجوز إعطاؤه وأخذه إن كان على نحو الجعالة، كأن يجعله الزوج لأحد الأقارب مقابل عمل مباح كتوسّط الأخ مثلا في البين بأن يرضي أخته في التزويج منه، ويسعى في رفع بعض الموانع التي تعيق زواجه منها، فلا يوجد إشكال في هذا العطاء، ويستحقّ الأخ ما جُعل له، ولا يمكن للزوج أو أحد أقربائه استرجاعه بعد إعطائه.
وإن لم يكن ما أعطاه من باب الجعاله، فإن كان إعطاء الزوج للقريب عن طيب نفس منه وإن كان لأجل جلب خاطره وإرضائه، سواء كان رضاه في نفسه مقصوداً له أم لتوقّف رضى البنت على رضاه، ففي هذه الحالة يجوز للقريب أخذه، ويجوز للزوج استرجاعه منه بعد ذلك مادام المال موجوداً عنده بعينه.
وأمّا مع عدم رضى الزوج قلباً، وكون إعطائه من جهة استخلاص البنت; لأن هذا القريب مانع من تمشية الأمر، مع أنّها راضية بالتزويج بما بذل لها من المهر، فلا يجوز للقريب أخذه، و يجوز للزوج استرجاعه باقياً كان أو تالفاً.
12 ـ يجوز أن يجعل المهر كلّه حالاّ ـ أي بلا أجل ـ ومؤجّلا، وأن يجعل بعضه حالاّ و بعضه مؤجّلا(7)، ولكن لا بدّ في المؤجّل من تعيين الأجل ولو في الجملة مثل ورود المسافر ووضع الحمل ونحو ذلك. ولو كان الأجل مبهماً بحتاً(8) مثل زمان ما، أو ورود مسافر ما صحّ العقد، وصح المهر أيضاً على الاظهر ولغي التأجيل.
13 ـ يجب على الزوج تسليم المهر، وهو مضمون عليه حتى يسلّمه(9)، فلو تلف قبل التسليم ولو من دون تفريط كان ضامناً له أيضاً، فإن كان له مثل أعطى للزوجة مثله، وإن كان من الأشياء القيميّة فيعطيها قيمته، ولو كان الإتلاف بفعل شخص أجنبيّ غير الزوج تخيّرت المرأة بين الرجوع على الأجنبيّ أو على الزوج نفسه، وإن كان لو رجعت على الزوج جاز له الرجوع به على الأجنبي(10).
وإذا حدث في المهر عيب قبل أن يُسلّم بيد الزوجة فالأحوط وجوباً التصالح بين الزوجين.
14 ـ لو كان المهر جميعه حالاّ فللزوجة الامتناع من التمكين حتى استلامه، ولو مكّنته من نفسها قبل الاستلام على أمل أنّها تأخذه بعد ذلك فلا يجوز لها أن تمنعه بعد هذا التمكين، وأمّا لو كان المهر كلّه أو بعضه مؤجّلا وقد أخذت بعضه الحالّ فلا يجوز لها الامتناع عن التمكين وإن حلّ الأجل ولم تقبض المهر بعد.
15 ـ المهر ملك للمرأة يمكنها التصرّف به، فإذا شاءت وهبته(11) أو أهدته إلى أحد، أو اشترت به أو باعته، ويمكن لها التصرّف به حتى قبل استلامه، نعم لا تستقر ملكيّتها لتمامه إلاّ بعد أن يدخل بها.
16 ـ إذا جعل مهرها تعليمها لصنعة أو حرفة ما، ثمّ طلّقها قبل الدخول كان لها نصف أُجرة التعليم، ولو كان قد علّمها قبل الطلاق أرجع إليها نصف الأُجرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وقد مرّ بيان المقصود من حقّ التحجير في أحكام زواج المتعة المسألة رقم (7).
(2) البهاء هو الثمن.
(3) أي عند من يعتقد صحّة تملّك الخمر والخنزير.
(4) أي لو جعل المسلم المهر في زواجه خمراً أو خنزيراً.
(5) البقرة 2 : 236 .
(6) شيربها: عبارة فارسية والمقصود منها ثمن الحليب الذي رضعته المرأة حينما كانت طفلة، وهو معروف عند العوام.
(7) حالاّ: أي المهر الحاضر، ومؤجّلا أي الغائب.
(8) أي غير معيّن أصلا.
(9) بمعنى أنّه يجب عليه حفظه في مكان آمن وعدم التفريط به.
(10) أي يحق للزوج أن يأخذ مثل المهر التالف أو قيمته من الأجنبي الذي أتلفه لو أخذته الزوجة منه أيّ من الزوج.
(11) الهبة غير الهدية; لأنّ للهبة أحكام خاصّة، وقد مر ذكرها في باب الهبة.

رابط الموضوع

شارك هذا المقال

التعليق 0

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

من نحــن

مجلة ريحانة الالكترونية تعنى بجميع شؤون المرأة التي تناولها القرآن الكريم والسنة الشريفة. تعمل هذه المجلة تحت مجموعة شبكة رافد للتنمية الثقافية وهي مجموعة ثقافية تحت إشراف مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
علماً بأن عنوان هذه المجلة قد تم اقتباسه من الحديث الشريف عن أمير المؤمنين علي بن أبيطالب (عليه السلام): "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة".(نهج البلاغة)

أحدث المقالات

اسألي الفقيه