مجلة ريحانة الالكترونية

التربية الروحية

أيها الوالدان : اعلما وعلما أولادكما ما يأتي :

أولاً : يجب على الإنسان أن يعلم بأن الله سبحانه وتعالى لم يخلقه عبثاً  ، بل خلقه لتحقيق الهدف السامي وهو البحث عن كنه مسيره في هذه الحياة وبعدها ، فيسأل كيف بدأ المسير وإلى أين ينتهي؟ فالجواب هو قول الله سبحانه وتعالى : ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ) ( المؤمنون / ١١٥ ).

وقوله تعالى أيضاً : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) ( الذاريات /

٥٦ ).

ولا تتحقق عبادة الإنسان لربه إلا بتشييده لبناء الدين الحنيف في قلبه ، وذلك هو بناء الإسلام الذي علمه سبحانه وتعالى كيفية إقامته ليكون قاعدة رصينة لتقويم مدنيته وحضارته ، وبالتالي لإحراز سعادته في الدنيا والآخرة ،
كما قال تعالى : ( اقرأ باسم ربّك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربّك الأكرم * الذي علّم بالقلم * علّم الإنسان ما لم يعلم ) ( أوائل سورة العلق ).

أجل : ( علّم الإنسان ما لم يعلم ) منذ وهبه الطاقات الجبارة للكشف عن كل مجهول ، وذلك بالتعبير الرائع ( ما لم يعلم ). والجدير بالذكر هو أن الله سبحانه وتعالى فرض على الإنسان أن يتعلم بقلب واع يتحلى بحرية البحث ، ويتخلى عن الشهوات والأهواء ، ويتنزه عن التحيز لما لديه من الآراء والتعصب لاتباع الآباء ، فلا يبني عقيدته وسيرته على ما لقّنه وعلّمه أبواه فيُلقى الشك على ما هو عليه ، ويبدأ باحثا متحررا التحقيق الحق ودحض الباطل. وأقدم للقراء الأعزاء شخصية نبيلة قد تحررت من قيود تقليد الآباء ، وتنزهت عن الأهواء والعواطف ، ألا وهي شخصية الدكتور « نظمي لوقا » الذي نصّره أبواه فكان مسيحيا ، ولكن نور الحرية الفكرية قد سطع في قلبه فبحث ومحص وفكر وتدبر في الأديان والعقائد ، وكانت النتيجة أنه اعترف بأن محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو خاتم النبيين ، وقد أرسله رب العالمين إلى الناس أجمعين ، وقد اصدر هذا الدكتور كتابين قيمين : ( وامحمداه ـ محمد الرسالة والرسول ) بين فيهما للقراء الأحرار عظمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصدق رسالته.

أيها القراء الأعزاء : تدبروا قوله الرائع في كتابه « محمد الرسالة والرسول :

« من شك في صدق محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمعناه أنه قد شك في مظهر الصدق في العالم ، ويجب عليه أن يطعن في كل من يراه أو يسمع به يزعم التحلي بفضيلة الصدق ».

وتدبروا وفكروا أيضا في قوله المجيد الذي جاء في كتابه « وامحمداه »  :

« فأي الناس أولى بنفي الكيد عن سيرته من أبي القاسم ـ يعني محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي حول الملايين من عبادة الأصنام الموبقة إلى عبادة رب العالمين. ومن الضياع والانحلال إلى السمو والإيمان ، ولم يفد من جهاده لشخصه أو آله شيئا مما يقتتل عليه طلاب الدنيا من زخارف الحطام ؟

« حفاظا على معنى الشرف ، وصيانة لحق المروءة ، أوجبت على نفسي ذلك الإنصاف لشخص أبي القاسم ، وللرسالة التي حملها إلى الناس في أمانة وصدق وتحرج لا يباري .. ».

« أوجبت ذلك على نفسي منذ عرفت قدره ، وأدركت خطره ، والواجب فرع ـ عند ذوي الأمانة عن الإدراك .. فشهادة الحق من أوجب الأمانات ، والساكت عن الحق شيطان .. فمن يجهل الحق لا لوم عليه .. والملام كل الملام على من يدرك الحق كرائعة النهار ، ثم يتخاذل عن إعلانه ويترك رايته تنتكس بين السفلة والطغام ، وتوطأ بأقدام الجهلة والظلمة واللئام .. وساء ذلك صنعا إنه كان إثما وبيلا .. ».

« ضنّاً بنفسي عن هذا الخزي الموبق تصديت لتلك الغاية ، ولا جناح على من اتخذ الى ربه سبيلا .. ».

ونهاية المطاف : أنادي القراء الأعزاء الذين ابتغوا غير الإسلام دينا وابتغوا دين آبائهم ـ خصوصاً غير المسلمين ـ فأرسلها إليهم صيحة ناصحة مخلصة : إنكم ستحشرون جميعا يوم القيامة بعد موتكم ، وسيحاسبكم ربكم على دينكم. فكيف بكم إذا سأل كل طائفة منكم بهذا السؤال ؟ هل فكرتم ؟ هل بحثتم في دينكم وعرفتم أنكم على الحق والأديان الأخرى هي الباطل؟ فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوها قبل أن توزنوا.

ولا أدري كيف يكون حال غير المسلمين إذا وقفوا أمام رب العالمين يوم القيامة ، فسألهم : « لماذا لم تكونوا مسلمين ، والإسلام اشترط كمال الإيمان بالاعتقاد بالأنبياء السابقين ومنهم موسى وعيسى عليهما‌السلام ؟ لماذا
اقتصرتم على الاعتقاد ببعض الأنبياء ولم تعتقدوا بجميعهم وخاتمهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ لماذا أصبح الدكتور المسيحي « نظمي لوقا » مسلما ( كما مر ذكره سابقا ) وكذلك كثير من العلماء الأوربيين  غير المسلمين استناروا بنور الإسلام ، وأنتم بقيتم على دينكم ؟ ليس الجواب إلا أن تعترفوا قائلين : « ربَّنا إنا كنا لآبائنا تابعين ومقلّدين ، ولو كنا نبحث أو نفكر ما كنا عن الإسلام معرضين » ، فويل يومئذ للكافرين الذي كذّبوا الصادق الأمين محمداً سيد المرسلين وخاتم النبيين صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه المنتجبين الميامين.

ثانيا : تعلما كتاب الله ـ أيها الوالدان ـ وعلماه أولادكما ، وهو القرآن المجيد الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو النور الساطع الذي يهدي البشرية جمعاء إلى سبل السلام ، ويخرجهم من ظلمات الباطل إلى نور الحق .. من ظلمات الجهل إلى نور العلم .. من ظلمات الخوف إلى نور الأمن .. من ظلمات الفقر إلى نور الغنى ... من ظلمات المرض إلى نور الصحة .. من ظلمات الذل إلى نور العزة .. من ظلمات الضعف إلى نور القوة ، وهو الحصن الراسخ الشامخ ، والظهير النصير لصد عدوان المعتدين ومكافحة المستعمرين الظالمين والمستعبدين الطاغين. لذلك نرى أحد رؤساء وزراء إحدى الدوله الغربية في القرن التاسع عشر ، وقف أمام مجلس البرلمان وقد أمسك بيده القرآن ، وتحدث في صراحة فقال : « مادام هذا الكتاب بين أيدي العرب والمسلمين ، فلن يقرّ لنا قرار في بلادهم ».

والقرآن الكريم هو المعجزة الكبرى لنبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ومعنى المعجزة هو صدور حادث أو وقوع أمر من قبل الله تعالى على يد نبيه لإثبات نبوته ، ولا يستطيع الناس ويعجزون عن الإتيان بمثل ذلك الحادث أو الأمر. فالاختراع مثلا ليس معجزة ، لأنه قد يظهر اختراع آخر يماثله ويضاهيه. وينقسم الإعجاز القرآني إلى ثلاثة أقسام :

أولا : الإعجاز البلاغي : وهو أن البلغاء والمتفننين والبارعين في اللغة العربية لم يستطيعوا أن يأتوا بمثل القرآن ، بل بسورة من مثله ، مع العلم أن محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أميا لا يعرف القراءة والكتابة. والدعامة الرصينة المتينة التي يتركز عليها الإعجاز البلاغي هي التحدي والإعلان بالعجز. ولإيضاح ذلك أقدم مثلا واحداً للقراء الأعزاء :

إذا وجد رسام بارع في مدرسة وكان متفوقا على جميع التلاميذ في فن الرسم ، فهل يستطيع أن يتحدى التلاميذ بقوله : « إن جميع التلاميذ لا يقدرون مجتمعين أن يأتوا بمثل رسمي ؟ » كلا ، لأنه لا يعلم ذلك ولا يدري ما في العقول من ملكات وقابليات للإنتاج خصوصاً إذا اجتمعت واتحدث ، فلا يتفوه بذلك ولا يزج نفسه في ميدان الفشل والخجل المجتمعين ، وكذلك الحداد والنجار وغيرهما إذا كانا متفوقين على غيرهما ».

والآن : نأتي إلى القرآن الكريم ، فإذا كان من إنشاء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ـ نعوذ بالله ـ فمعنى ذلك أن محمدا قد كذب في دعوته ، فكيف إذن يستطيع أن يعلن بما يأتي :

(أ) ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.
الإسراء : ٨٨.

(ب) ( وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين * فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ) (١).

أيها الاخوان ! أيتها الأخوات ! تدبروا الآيتين وأمعنوا النظر إليهما وفكروا فيهما بوعي وإخلاص ، خصوصاً في الجملة ( ولن تفعلوا ) من الآية الثانية ، فإنهما دليلان حاسمان على أن القرآن ليس من كلام البشر كمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنه لا يستطيع أن يتحدى ويخاطب البلغاء والخطباء والشعراء والمتفوقين في البلاغة بالجملتين :

١ ـ ( لا يأتون بمثله ) في الآية الأولى.

٢ ـ ( ولن تفعلوا ) في الآية الثانية بل إنهما تصدران ممن هو عليم بذات الصدور ، ذلك هو رب العالمين.

ثانيا : الإعجاز العلمي : لقد ذكر القرآن بعض الأسرار العلمية ، واكتشفها العلم الحديث ، فذلك دليل على أن القرآن ليس صادر من بشر ، لأن البشرية في زمن صدور القرآن لم تكن عالمة بتلك الأسرار ، وقد بينت منها سابقا  للقراء الكرام ، وأضيف هنا آيات أخرى لتركيز الإيمان في النفوس ، وقد درست وبحثت كما يلي :

(أ) ( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) : لقد أثبتت البحوث العلمية الأخيرة أن حجم الكون آخذ في الزيادة شيئا فشيئاً ، وكلما ازداد حجمه ازدادت المسافة بين أجرامه ، وقد اكتشف التحليل الطيفي لرصد الأجرام السماوية أن المجرات تبتعد عنا بقياسات مختلفة من السرعة تثير الدهشة كل الدهشة ، فمنها ما يبتعد عنا بسرعة (٢٥) ألف كيلومتر في الثانية


وبعضها بسرعة (٦٥) ألف كيلومتر في الثانية. فأين تكون نهاية السماء ؟ وأين حافتها ؟!! فليس للتفكير إلا أن ينقلب خاسئا وهو حسير. فلقد سبق القرآن الكريم هذا الاكتشاف بمئات السنين بقوله : ( وإنا لموسعون ) والله علم.

(ب) ( يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون ) : الله أكبر ! سبحان الله ! لماذا قال في ( ظلمات ثلاث ) ولم يقل في ظلمة واحدة وهي جوف البطن. قال ذلك ليعلمنا قبل العلم الحديث أن الجنين له ثلاثة أغشية سماها ( ظلمات ) وهي : ( الغشاء المنباري ـ الغشاء الخوربوني ـ الغشاء اللفائفي ) مع أنها لا تظهر بالتشريح الدقيق ، وتظهر كأنها غشاء واحد بالعين المجردة ( والله أعلم ).

(ج‍( ( إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما ) تبين هذه الآية أن النار كلما أكلت جلود الكفار بدلهم الله جلودا غيرها. والحكمة في ذلك هي أن أعصاب الألم في الطبقة الجلدية ، وأما الأنسجة والعضلات والأعضاء الداخلية فالإحساس فيها ضعيف. ولذلك يعلم الطبيب أن الحرق البسيط الذي لا يتجاوز الجلد يحدث ألما شديدا بخلاف الحرق الشديد الذي يتجاوز الجلد إلى الأنسجة الداخلية ، لأنه مع شدته وخطره لا يُحدث ألما كثيرا. فالله تعالى يقول لنا : إن الناركلما أكلت الجلد الذي فيه الأعصاب ، نجدده كي يستمر الألم بلا انقطاع .. وكان الله عزيزا حكيماً  ( والله أعلم ).

ثالثا : إعجاز الإخبار بحوادث المستقبل : لا يستطيع الإنسان أن يتنبأ بحوادث المستقبل بصورة حاسمة إلا ما يتعلق بالعلوم المادية ، كالأنواء الجوية والحوادث المرضية ، والطوارئ الجيولوجية وغيرها. وقد يخطئ أحيانا في بعض التنبؤات. أما التطورات الاجتماعية فيستحيل معرفة مستقبلها ، مع العلم أننا الا´ن في القرن العشرين في عصر الذرة والرادار والأقمار الاصطناعية والعقل الإلكتروني. فلو كان ذلك ممكنا لعلمت كل دولة بمستقبلها وعملت لدرء أخطاره واجتناب شرورة. ولكننا نرى القرآن قد اخبر ببعض حوادث المستقبل في مناسبات خاصة ، وكان صادقا في ذلك فتجلى البرهان على أنه ليس من كلام محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل هو كلام الله الذي يحيط بكل شيء علما.

ومن أهم تلك الحوادث ما يلي :

(أ) جاء في أوائل سورة الروم : ( الم * غلبت الرّوم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله الأمر من قبلُ ومن بعدُ ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم * وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون ).

الشرح : جرت معركة بين الروم والفرس في أوائل الإسلام ، فانتصر الفرس على الروم فضاقت صدور المسلمين لأن الفرس كانوا يؤمئذ مجوسا يعبدون النار ، والروم كانوا يعبدون الله وهم أهل كتاب ، فوعد الله المسلمين بعودة نشوب الحرب بين الروم والفرس خلال بضع سنوات ـ وهي دون العشر وفوق الثلاث  ـ وبشرهم بانتصار الروم على الفرس .. فتحقق ذلك كما أخبر الله سبحانه وتعالى. فهذه الحادثة تثبت لنا أن الآيات التي مر ذكرها ( أوائل سورة الروم ) هي من الله سبحانه وتعالى وليست من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك لإخبارها بحادث غيبي في المستقبل ، وهو غلبة الروم على الفرس مع تحديد المدة وهي « بضع سنين » ( كما فسرت الآيات ) والله أعلم.

(ب) ذُكر أن « الوليد بن المغيرة » عرض المال على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليرجع عن دينه ويتخلى عن دعوته. فأنزل الله تعالى آيات وبخه بها : ( ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم * منّاع للخير معتد أثيم ) .. ( سنسمّه على الخرطوم ). المعنى سنضع علامة على أنفه وقد جرى ذلك فعلا في وقعة بدر فخطف أنف الوليد بالسيف ( كما فسرت الآية ) والله أعلم.

شارك هذا المقال

التعليق 0

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

من نحــن

مجلة ريحانة الالكترونية تعنى بجميع شؤون المرأة التي تناولها القرآن الكريم والسنة الشريفة. تعمل هذه المجلة تحت مجموعة شبكة رافد للتنمية الثقافية وهي مجموعة ثقافية تحت إشراف مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
علماً بأن عنوان هذه المجلة قد تم اقتباسه من الحديث الشريف عن أمير المؤمنين علي بن أبيطالب (عليه السلام): "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة".(نهج البلاغة)

أحدث المقالات

اسألي الفقيه