مجلة ريحانة الالكترونية
عنوان الموقع : مجلة ريحانة الالكترونية

إنّ ارادة اللّه تعالى قد جعلت للحياة سننا ثابتة ونواميس راسخة لا تختلف ولا تتخلف في جميع مراحل الحياة الانسانية ، وان موافقة هذه السنن والنواميس والسير في ضوئها تثمر ثمارها وتنتج نتائجها الايجابية في حركة المجتمع ، كما ان مخالفتها وعدم السير في دائرة ضوئها تنتج العكس والسلبية ، وحين توجد الاسباب تتبعها النتائج

.

ومن هذه السنن : « إنَّ اللّه لا يُغَيّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّى يُغَيّرُوا مَا بِأنفُسِهِم »

وقوله تعالى : « ذَلِكَ بأنَّ اللّه لَم يَكُ مُغَيَّرا نّعِمةً أنعَمَهَا على قَومٍ حَتّى يُغَيّرُوا مَا بِأنفُسِهِم »

ويرتّب اللّه تعالى في ضوء هذه السنن والنواميس آثارا ونتائج سلبية إن ترك الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتخلّوا عن اداء المسؤولية ، ومن هذه الآثار والنتائج :

أولاً : العقاب الالهي :

حين يتخلى الناس عن مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، سيزداد الانحراف لفقدان الموجّه والمرشد والرادع ، فيفقد كل شيء استقامته ، وتفقد الموازين سلامتها ، ولا يكون إلاّ العوج الذي لا يستقيم ، وكل ذلك مدعاة إلى سلب الرحمة منهم ، وانزال العقاب بالجميع ، المنحرفين والمتقاعسين عن الدعوة والاصلاح معا ، والعقاب يمثل الوخزة الموقظة التي تعيد الناس الى الاستقامة.

قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « والذي نفس محمد بيده لتأمرنّ بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكنّ اللّه ان يبعث عليكم عقابا من عنده ، ثم لتدعنه فلا يستجاب لكم »

ويكون العذاب شاملاً لا يختصّ بالمرتكبين للمنكر فقط ، بل يعمّ غيرهم ممّن لم يرتكبه ؛ لأنّهم سكتوا عن تغييره.

قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ اللّه عزَّ وجلَّ لا يعذّب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم ، وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه ، فإذا فعلوا ذلك عذّب اللّه العامّة والخاصة »

والعقاب الالهي له مظاهر وألوان مختلفة ، فقد يكون بنزع البركات ، أو بالآفات السماوية ، أو اذاقة البعض بأس البعض الآخر.

قال تعالى : « قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلى أن يَبعثَ عَليكُم عَذَابا مِّن فَوقِكُم أو مِن تَحتِ أرجُلِكُم أو يَلبِسَكُم شِيعا وَيُذِيقَ بَعضَكُم بَأس بَعضٍ ... »

ثانيا : اللعنة الإلهية :

من آثار ونتائج التخلي عن مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، شمول الناس اللعنة الالهية ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « وإنّ عندكم الأمثال من بأس اللّه وقوارعه ، وأيّامه ووقائعه ، فلا تستبطئوا وعيده جهلاً بأخذه ، وتهاونا ببطشه ، ويأسا من بأسه ، فإنّ اللّه سبحانه لم يلعن القرن الماضي بين أيديكم إلاّ لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلعن اللّه السفهاء لركوب المعاصي والحلماء لترك التناهي ... »

واللعنة إن نزلت على المجتمع جعلته يعيش بعيدا عن اللطف والرأفة والرحمة ، فلا يؤيدهم اللّه تعالى ، ولا يثبتهم ، ولا يؤنسهم ، ويدعهم لوحدهم دون اسناد ، ليواجهوا مصيرهم بأنفسهم ؛ حيث القلق والاضطراب والازمات النفسية ، بسبب الانحراف والظلم والاعتداء وفقدان الطمأنينة.
ثالثا : الهلاك :

إنّ تطبيق المنهج الإسلامي في الحياة هو احياء للعقل والقلب والارادة ، قال تعالى : « يَا أيُّها الَّذين آمَنُوا استَجِيبُوا للّه وَلِلرَّسُولِ إذا دَعَاكُم لِما يُحيِيكُم ... »

والإحياء هو الفاعلية والنمو والامتداد والبناء ، والازدهار الحضاري ، والتأثر والتأثير في واقع الحياة.

ونقيض الإحياء هو الهلاك المتجسد بالسلبية والخمود وايثار الراحة والبلادة التي تميت عناصر الحيوية في جميع مقومات الإنسان العقلية والروحية والسلوكية ، وخنق الطاقات والقابليات.

ولذا فإنّ التخلي عن المسؤولية الهادفة إلى احياء الإنسان في فكره وعاطفته وسلوكه ، يؤدي إلى الهلاك بالخمود والجمود ثم الاضمحلال ، كما اضمحلت الامم والحضارات في التاريخ.

رابعا : الانقلاب :

إنّ التخلي عن مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤدي إلى الانقلاب والتراجع ، حيث تنقلب المفاهيم والقيم ، وتنقلب مقومات الشخصية الانسانية وينقلب كل شيء في حياة الفرد والمجتمع ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « أول ما تغلبون عليه من الجهاد الجهادُ بأيديكم ، ثم بألسنتكم ، ثم بقلوبكم ، فمن لم يعرف بقلبه معروفا ، ولم ينكر منكرا ، قُلِبَ فجعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه »

فيبدأ الانقلاب بالفكر ثم العاطفة ثم السلوك ، فيعود الإنسان والمجتمع إلى حياة الاوهام والخرافات ، ويعيش أواصر الضلال والظلمات ، ثم تنقلب عاطفته فيوالي من أمره اللّه تعالى بالتبري منهم ، وفي السلوك حيث يعيش الانحراف والانحطاط والرذيلة.

قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كيف بكم إذا فسدت نساؤكم ، وفسق شبابكم ، ولم يأمروا بمعروفٍ ولم ينهوا عن منكر » ، فقيل له : ويكون ذلك يا رسول اللّه؟ ، فقال : « نعم ، وشرُّ من ذلك ، فكيف بكم إذا آتيتم المنكر ونهيتم عن المعروف؟ » ، فقيل له : يا رسول اللّه ويكون ذلك ، فقال : « نعم ، وشرُّ من ذلك كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا ، والمنكر معروفا ».

فتنقلب المفاهيم والقيم والموازين ، ويكون هذا الانقلاب هو الحاكم على تقييم الاحداث والمواقف والوجودات ، وتقوم الحياة على أساسه ، فلا يبقى مأمن من اضطراب الأهواء واختلاف الامزجة ، وتصادم المصالح والمنافع.

خامسا : سيطرة الأشرار على مقاليد الاُمور :

التخلي عن أداء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، يؤدي إلى ازدياد عدد المنحرفين والأشرار ، وانحسار عدد الصالحين والاخيار ، ويؤدي إلى خلق الظروف الملائمة لتمادي المنحرفين والاشرار في انحرافهم وشرّهم إثر غياب الرادع لهم ، والمتابع عليهم زلاتهم وفسادهم ، حيث يأمنون من عدم الاعتراض وعدم الملاحقة ، فتنطلق إرادتهم الضعيفة أمام الشهوات ، وأنفسهم الشريرة من عقالها ، فيعملون ما يحلو لهم ، ثم يكون الأمر لهم ليسيطروا على مقاليد الاُمور ، ويوجهون الناس حسبما يرون ويشاؤون ، وتكون الكرّة لهم لملاحقة ومطاردة الاخيار والصالحين في جميع ميادين الحياة ، ولا يبقى للاخيار والصالحين أي منفذٍ للنجاة أو النهوض بالأمر من جديد ، فيعيشون الذل والامتهان اضافة إلى الاذى والتعذيب ، وأعظم من ذلك تخلي الرعاية الالهية عنهم ، وعدم استجابة اللّه تعالى لدعائهم.

قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لتأمرنّ بالمعروف وتنهونَّ عن المنكر ، أو ليسلطنَّ اللّه عليكم شراركم فليسومُنّكم سوء العذاب ، ثم ليدعو خياركم فلا يستجاب لهم ، لتأمرن بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر ، أو ليبعثنَّ اللّه عليكم من لا يرحم صغيركم ، ولا يوقّر كبيركم »

وإذا تسلط الاشرار عمّ الظلم والجور والاعتداء على الأنفس والاعراض والأموال ، والاعتداء على جميع الحرمات والمقدسات ، وعمّ فساد الأخلاق وتحلّلها ، وضعف العلاقات الاجتماعية ، وتفكك كيان الاُسرة التي هي نقطة البدء في اصلاح الجيل الناشئ ، والحفاظ على سلامته الروحية ، وحينئذٍ سيُفتقد الأمان والاستقرار والطمأنينة.