مجلة ريحانة الالكترونية
عنوان الموقع : مجلة ريحانة الالكترونية

لقد قالوا للرجل ماذا تريد بالحطب والنار؟ وهل أنت صانع هذه الجريمة النكرى وإنّ في الدار فاطمة؟
ربما القائلون لعمر بن الخطّاب إنّ في الدار فاطمه قد رأوا رسول الله صلى الله عليه وآله قبل وفاته، وهو واقف على باب بيت فاطمه صلوات الله عليها يستأذن للدخول، وينادي بأعلى صوته مرات عديدة: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله، وقد ورد عن أبي الحَمراء قال: شهدتُ النبيَّ صلى الله عليه وآله أربيعنَ صَباحاً يَجِيءُ إلى بابِ عَلِيٍّ وفَاطِمَةَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ، فَيَأْخُذُ بِعِضَادَتَيِ الْبَابِ، ثُمَّ يَقُولُ: «السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ورَحْمَةُ اللَّهِ، الصَّلاَةَ، يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ ﴿إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾». (1)
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتعامل مع ابنته فاطمة معاملة متميزة تكشف عن موضعها من السنة النبوية متمثلاً ذلك بفعله صلى الله عليه وآله.
فقد كان إذا أراد أن يزورها، فإنه صلى الله عليه وآله لا يدخل عليها حتى يستأذن مع أنه والدها وفضلا عن كونه النبي (ص)، وله صلاحيات واختيارات من السماء ومن رب العالمين، لكن يريد ان يظهر من خلال هذا الفعل الرسالي مقام بضعته عليها السلام في الشريعة.
ولذا نجده صلى الله عليه وآله وسلم قد اصطحب معه جابر بن عبد الله الأنصاري؛ كي يشهد هذا السلوك والفعل النبوي ويرويه على مسماع الأجيال.
فعن أبي جعفر الباقر عليه السلام عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يريد فاطمة عليها السلام وأنا معه، فلما انتهيت إلى الباب وضع يده عليه، فدفعه، ثم قال: السلام عليكم. 
فقالت فاطمة: عليك السلام يا رسول الله. 
قال: أدخل؟ قالت: أدخل يا رسول الله. قال: أنا ومن معي؟
فقالت: يا رسول الله، ليس عليّ قناع. فقال: يا فاطمة خذي فضل ملحفتك فقنعي به رأسك ففعلت.
ثم قال: السلام عليك، فقالت فاطمة عليها السلام: وعليك السلام يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال: أدخل؟ 
قالت: نعم، يا رسول الله. قال: أنا ومن معي؟ قالت: ومن معك؟ 
قال جابر: فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودخلت».
(2)
وعن مجاهد، أنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أخذ بيد فاطمة عليها السلام، وقال: «من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهي بضعة مني، وهي قلبي وروحي التي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله». (3)
فكان متعارفاً بين الجميع إن لبيت فاطمة وعلي والحسنين صلوات الله عليهم حرمة خاصة، وكل ذلك كان مشهوداً في فعل النبي الأكرم صلى الله عيله وآله، ولكن انظر مدى الشقاوة التي وصل بها الرجل حتى يتجرأ، وينطق بهذه الكلمة الشنيعة. 
نعم، وقد صدر عنه من قبل أيضاً عندما أراد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أن يكتب ويؤكد على وصتيه في آخر أيام حياته الشريفة، ولكن قال القائل هناك قولته المشؤمة: إن الرجل ليجهر.
وعن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي قال: إني كنت عند عبد الله بن عباس في بيته وعنده رهط من الشيعة. قال: فذكروا رسول الله صلى الله عليه وآله وموته، فبكى ابن عباس، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الإثنين - وهو اليوم الذي قبض فيه - وحوله أهل بيته وثلاثون رجلا من أصحابه: ايتوني بكتف أكتب لكم فيه كتابا لن تضلوا بعدي، ولن تختلفوا بعدي. 
فمنعهم فرعون هذه الأمة فقال: (إن رسول الله يهجر)، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال: (إني أراكم تخالفوني وأنا حي، فكيف بعد موتي؟) فترك الكتف . 

قال سليم: ثم أقبل على ابن عباس، فقال: يا سليم، لولا ما قال ذلك الرجل لكتب لنا كتابا لا يضل أحد ولا يختلف، فقال رجل من القوم: ومن ذلك الرجل؟ فقال: ليس إلى ذلك سبيل. 
فخلوت بابن عباس بعد ما قام القوم، فقال: هو عمر. فقلت: صدقت، قد سمعت عليا عليه السلام وسلمان وأبا ذر والمقداد يقولون: "إنه عمر".
 فقال : يا سليم، اكتم إلا ممن تثق بهم من إخوانك، فإن قلوب هذه الأمة أشربت حب هذين الرجلين كما أشربت قلوب بني إسرائيل حب العجل والسامري. (4)
وبناءً على ذلك إشار إلى هذا المضمون شاعر النيل حافظ ابراهيم بقوله :
وقـولـة لعـلـي قالها عمرُ ***أكـرم بسـامـعها أعظم بملقيها
حرقت دارك لا أبقى عليك بها ***إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
ما كان غير أبي حفص يفوه بها ***أمام فـارس عدنـان وحاميهـا
القوم أبناء القوم، يعترفون بما جرى وينضمون على ما جرى أبيات من الشعر ولكن السؤال هنا لماذا لا يتّبعون الحق هل لا يعرفون أهله أم يعرفون؟ وحتى اذا كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله في الدار وهي واقفة بجانب الحق، هل تبقى حجة من بعد ذلك أن لا يعرف الإنسان الحق.

 


1ـ البرهان: ج 4، ص 450 عن الأمالي.
2ـ الكافي: ج5، ص 528.
3ـ الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 1، ص 665، ط دار الحديث للطباعة.
4ـ كتاب سليم بن قيس: ص 324.