مجلة ريحانة الالكترونية

مكانة المرأة في القرآن

احتلّت المرأة مكانة مرموقة في الإسلام واستأثرت باهتمام خاص في الذكر الحكيم، وحيث إنّ الموضوع مترامي الأطراف، فلنسلط البحث في هذا المقام على الموضوعات التالية:

الأوّل  : النظر إلى طبيعتها وتكوينها ونفسيتها.

الثانـي: النظر إلى حقوقها .

الثالـث: الواجبات التي تقع على عاتقها

.

كلّ ذلك على ضوء القرآن الكريم.
هذه هي العناوين الرئيسية في بحثنا هذا وربما تطرح في ثنايا الكلام أُمور أُخرى لمناسبة تقتضيها .

الأوّل: النظر إلى طبيعتها وتكوينها ونفسيتها

بزغ نور الإسلام في عصر لم يكن لجنس الأُنثى يومذاك أيّ قيمة تذكر في الجزيرة العربية ولا في سائر الحضارات السائدة آنذاك، وكانت البحوث الفلسفية عند الروم واليونان تدور على أنّ الأُنثى من جنس الحيوان أو من جنس برزخي يتوسط بين الحيوان والإنسان، وكان الرجل يتشاءم إذا أنجبت امرأته أُنثى ويظلّ وجهه مسوداً متوارياً عن أنظار قومه وكأنّها وصمة عار على جبينه قال سبحانه: ( وَإِذا بُشّرَ أَحدُهُمْ بالأُنثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْودّاً وَهُوَ كَظيمٌ* يَتَوارى مِنَ القَومِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ به أَيُمْسِكُهُ عَلى هُون أَو يَدُسُّهُ في التُّراب أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ ) ( [834]) .

فلم يكن للرجل بد إلاّ وأدُ بناته وقتلهنّ إثر الجهل بكرامة المرأة وفضيلتها ظناً منه انّه يحسن صنعاً، وهذا هو القرآن الكريم يندّد بذلك العمل ويشجبه ويقول: ( وَإِذَا المَؤودَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنْب قُتِلَتْ ) ( [835]).

وفي خضَمِّ تلك الأفكار الطائشة نجد القرآن الكريم يصف المرأة بأنّها أحد شطري البنية الإنسانية ويقول: ( يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَر وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ ) ( [836]) فالأُنثى مثل الذكر يشكلان أساس المجتمع دون فرق بينهما.

ومن جانب آخر يرى للأُنثى خلقة مستقلة مماثلة لخلقة الذكر دون أن تُشتقّ الأُنثى من الذكر، على خلاف ما عليه سفر التكوين في التوراة من أنّ الأُنثى خلقت من ضلع من أضلاع آدم، يقول سبحانه شاطباً على تلك الفكرة التي تسرّبت إلى الكتاب الإلهي (التوراة): ( يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الّذي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس واحِدَة وَخَلَقَ مِنْها زَوجَها وَبَثَّ مِنْهما رِجالاً كَثيراً وَنِساءً ) ( [837]).

فالنفس الواحدة، هي آدم وزوجها حواء وإليهما ينتهي نسل المجتمع الإنساني، ومعنى قوله: ( خَلَقَ مِنْها ) أي خلق من جنسها، مثل قولك: الخاتم من فضة أي من جنس الفضة فالزوجان متماثلان ولولا التماثل لما استقامت الحياة الإنسانية.
ويستنتج من هذه الآيات انّ كلاًّ من الذكر والأُنثى إنسان كامل وليس هناك أي نقص في إنسانية الأُنثى وعلى ضوء ذلك فالتفريق بينهما من تلك الناحية لا يبتني على أساس صحيح .

لقد شملت العناية الإلهية الإنسان لما جعلته أفضل الخلائق، وسخرت له الشمس والقمر ولا تختص هذه الكرامة بالذكر فحسب بل شملت أولاد آدم قاطبة قائلاً: ( وَلَقَدْكَرَّمْنا بَني آدَمَ وَحَمْلناهُم فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزْقناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُم عَلى كَثير مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضيلاً ) ( [838]).

ولأجل هذه الكرامة العامة جعل الذكر والأُنثى في كفة واحدة فمن آمن منهما وعمل صالحاً فهما سيّان أمام اللّه تبارك وتعالى يجزيهما على حدّ سواء قال سبحانه: ( وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلنحييَّنه حياةً طَيِّبةً وَلَنَجْزينَّهُمْ أَجْرهُمْ بِأَحْسنِ ما كانُوا يَعْمَلُون ) ( [839]).

وممّا يعرب عن موقف القرآن الكريم في خلقة المرأة: هو انّه جعل حرمة نفس الأُنثى كحرمة نفس الذكر وإن قتل واحد منهما يعادل قتل جميع الناس قال سبحانه: ( مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَساد فِي الأَرْض فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاس جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحيى النّاسَ جَمِيعاً ) ( [840]).

فقتل المرأة كقتل الرجل عند اللّه سواء فمن قتل واحداً منهما فكأنّما قتل الناس جميعاً، أفيتصور تكريم فوق ذلك.
وممّا يعرب عن انّ نظر الإسلام إلى الشطرين نظرة واحدة هو انّه يتخذ النفس موضوعاً لبعض أحكامه في مجال القصاص دون أن يركز على الذكر، قال سبحانه: ( انّ النَّفْس بِالنَّفْس وَالعين بِالعين وَالأَنْف بِالأَنْف وَالأُذُن بِالأُذن وَالسنّ بالسنّ والجُروح قصاص ) ( [841])حتى انّه سبحانه يصف من لم يحكم على وفق الآية بانّه ظالم ويقول: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِما أَنْزَل اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُون ) .

إنّ الرسول يجعل دماء المسلمين في ميزان واحد ويصف ذمة الجميع بأنّها ذمة واحدة ويقول: «المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم» ( [842]) فالمرأة والرجل يتشاركان في لزوم احترام ايجار كلّ واحد منهما فرداً من المشركين.

نعم مشاركة المرأة والرجل في القصاص لا يلازم مشاركتهما في الدية، لأنّ المعيار في القصاص غير المعيار في الدية، فكلّ من جنى على إنسان يُقتصُّ منه باعتبار انّ الجاني أعدم إنساناً فيعادل بإعدامه.

وأمّا الدية فالمعيار في تعيينها هو تحديد الخسارة والضرر المادي التي مُنيت بها الأُسرة، ولا شكّ انّ خسارة الأسرة بفقد معيلها الرجل هي أكبر من خسارتها بفقد الأُنثى، فلذلك صارت دية المرأة نصف دية الرجل على الرغم من أنّ المصيبة على حد سواء، وهذا لا يعني اختلافهما في الإنسانية.

إلى هنا تبين واقع خلقة كلّ من الرجل والمرأة وانّهما متماثلان لا يتميز أحدهما عن الآخر في ذلك المجال.

وأمّا ما يرجع إلى الأُمور النفسية والروحية عند المرأة والرجل فنقول: لا شكّ ثمة فارق واضح وجلي بين الرجل والمرأة من هذه الزاوية وهي انّ المرأة جيّاشة العاطفة ملؤها الحنان والعطف واللطافة ولها روح ظريفة حساسة.

أودعت يد الخلقة ذلك فيها لتنسجم مع المسؤولية الملقاة على عاتقها، كتربية الأطفال التي ترافقها مشاق ومصاعب جمة لا يتحمّلها الرجل عادة في حين انّ الرجل يفقد تلك العواطف الجيّاشة، لأنّه خلق لوظائف أُخرى تتطلب لنفسها الغلظة والخشونة لتنسجم مع المسؤوليات التي تقع على عاتقه.

فالعواطف الجياشة من جانب إذا تقارنت مع الغلظة والخشونة تصبح الحياة عندها نغمة متوازنة فتكون طرية ومبتسمة.

إلى هنا تمّ ما نروم إليه من العنوان الأوّل.

الثاني: النظر إلى حقوقها في القرآن الكريم

حظيت المرأة في الإسلام بحقوق واسعة، قد بحث عنها الفقهاء في كتبهم في أبواب خاصة لا يمكن لنا الإشارة إلى قليل منها فضلاً عن كثيرها، وإنّما نقتبس بعضها .

نزل القرآن الكريم وكانت المرأة محرومة من أبسط حقوقها حتّى ميراثها، بل كانت كالمال تورث للآخرين، وفي هذا الجو المفعم بإهدار حقوقها قال: ( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدان وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساء نَصيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدان وَالأَقْرَبُونَ مِمّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُر نَصِيباً مَفْرُوضاً ) ( [843]).

وبذلك كسر الطوق الذي أحاط بالمرأة وحال بينها وبين ميراثها في سورة خاصة باسمها ـ أعني سورة النسـاء ـ وهي في ميراثها تارة تعادل الذكر وأُخرى تنقص عنه وثالثة تزيد عليه، حسب المصالح المذكورة في محلها. وما اشتهر بأنّ ميراث المرأة ينقص عن ميراث الرجل دائماً فليس له مسحة من الحقّ بل تتراوح فريضتها بين التساوي والنقصان والزيادة كما هو واضح لمن لاحظ الفرائض الإسلامية، ففيما إذا كان المورّث هو الأب والأُمّ فللذكر مثل حظّالأُنثيين، وفيما إذا كان المورث هو الولد فالأُمّ والأب متساويان يقول سبحانه: ( لكُلِّ واحِد مِنُهُمَا السُّدُس ) ( [844]).

وإذا تركت المرأة المتوفاة زوجها وابنتها، فالابنة ترث النصف والزوج الربع، فترث الأُنثى ضعف ما يرثه الذكر، قال سبحانه: ( فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّة يُوصينَ بِها أَوْ دَين ) ( [845]) .
إلى غير ذلك من صور الفرائض التي شرحها الفقهاء.

نعم الاختلاف في الميراث تابع لملاكات خاصة يجمعها عنوان الأقربية، ومسؤولية الانفاق، فالأقرب يمنع الأبعد، كما أنّ من يقع على عاتقه الإنفاق يرث أكثر من غيره.

ومن حقوقها حريتها المالية التي ما بلغ إليها الغرب إلى الأمس الدابر، قال سبحانه: ( لِلرِّجالِ نَصيبٌ مِمّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصيبٌ مِمّا اكْتَسَبْن وَاسألُوا اللّه مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيماً ) ( [846]) فأي كلمة أظهر وأرفع من هذه الكلمة حيث أعلن عن استقلالية كلّ من الرجل والمرأة في حقوقهما وأموالهما والاستمتاع بهما.

المهر عطية من الزوج إلى الزوجة وله تأثير في إحياء شخصية المرأة وبقاء علقة الزوجية، فإذا تزوج الرجل على مهر ليس له التنصل عن تعهده فيجب عليه إعطاء ما نحل، قال سبحانه: ( وآتُوا النِّساء صَدقاتهنَّ نحَلة ) ( [847]).

نعم لو وهبت بطيب نفسها جاز للرجل أخذه شأن كلّ هبة كان للواهب فيه رضا قال سبحانه: ( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شيْء مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَريئاً ) ( [848]).

إنّ القرآن يندد بزوج يضيق الخناق على زوجته ويسيء معاملتها كي تتنازل بذلك عن مهرها يقول سبحانه: ( وَلا تعْضِلوهنَّ لتَذهبُوا ببعضِ ما آتَيْتُموهُنَّ إِلاّأَن يأتينَ بِفاحِشة مُبَيِّنَة وَعاشِرُوهنَّ بِالمَعْرُوف ) ( [849]).

ثمّ يؤكد مرّة أُخرى بانّه لو دفع الزوج لها مالاً كثيراً فليس له أخذه منها، يقول سبحانه: ( وَإِنْ أَردْتُمُ اسْتِبدالَ زَوج مَكانَ زَوج وَآتَيْتُمْ إِحداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبيناً ) ( [850]).

الثالث: الواجبات التي تقع على عاتقها

إنّ التعاون بين أفراد المجتمع الإنساني شرط بقائه، فلو حذفنا التعاون من قاموس المجتمع لانهار، والأسرة مجتمع صغير ولبنة أُولى للمجتمع الكبير فلا تقوم حياة الأسرة إلاّ بالتعاون، وحقيقة التعاون عبارة عن أن يكون كلّ واحد له حقّ وعليه حقّ وهذا ما يعبر عنه الذكر الحكيم بكلمة بليغة جامعة لا يمكن أن يباريه فيها أحد قال سبحانه: ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الّذي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف ) ( [851]) .

فيظهر معنى الآية من خلال النظر إلى الأُسرة الإسلامية، فمسؤولية المرأة القيام بالحضانة وتربية الأطفال وليس هذا أمراً سهلاً، لا تقوم به إلاّ الأُمّ التي ينبض قلبها بالعطوفة والحنان. ومن زعم انّ دور الحضانة تحل محلّ الأُمّ في القيام بتلك الوظائف فقد أخطأ ولم يقف على المضاعفات السلبية التي تتركها تلك الدورعلى حالات الأطفال النفسية.

وفي مقابل تلك الحقوق ثمة حقوق للرجل لابدّ له من القيام بما تحتاج إليه المرأة في حياتها الضرورية والكمالية فيشير القرآن إلى تلك المسؤولية الكبيرة على عاتق المرأة بقوله: ( وَالوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَولادهنَّ حَولين كامِلين لِمَنْ أَرادَأَنْ يُتمَّ الرِّضاعَةَ ) .

كما يشير إلى المسؤولية التي تقع على عاتق الرجل بقوله: ( وعَلى المَولُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوتُهُنَّ بِالمَعْروفِ لا تُكَلَّفُ نَفسٌ إِلاّ وُسْعَها )   ( [852]).

فكلّ من الزوجين يسعى في إقامة دعامة الأسرة، وبذلك تكون الزوجة عوناً للزوج، والزوج عوناً للزوجة، ويكون العيش بينهما رغيداً طيباً.

هذه نظرة إجمالية إلى ملامح المرأة في القرآن، وثمة بحوث ضافية لا سيما حول حرّيتها الثقافية والاجتماعية والسياسية التي طرحت في العصور المتأخرة وموقف القرآن منها نتركها إلى مجال آخر.

ولكن ثمة نكتة هامة وهي:

المساواة أو العدالة

إنّ الغرب يتبنّى موقف المساواة بين الرجل والمرأة، ويريد منهما أن ينزلا إلى معترك الحياة بلا استثناء لكي يقوما بعامة الوظائف جنباً إلى جنب سواء أكانت منسجمة مع طبيعة كلّ منهما أو لا. هذا هو الذي يتبناه الغرب، فالمرأة لابدّ لها أن تشارك الرجل في ميادين الحرب والقتال والسياسية والزعامة وميادين العمل والاستثمار ولا يترك ميداناً خاصاً للمرأة أو الرجل إلاّيسوقهما إليه بدعوى المساواة.

ولكن القرآن يتبنّى العدالة بين الرجل والمرأة ويخالف المساواة، إذ ربما تكون المساواة ضدّ العدالة، وربما لا تنسجم مع طبيعتها، ومن يدّعي المساواة، فكأنّه ينكر الفوارق الموجودة في نفسياتهما وغرائزهما، ويتعامل معهما معاملة إنسان اُستلبت عنه الغرائز الفطرية ولم يبق فيه رمق إلاّ القيام بالأعمال المخوّلة له.

وهذا موضوع هام يحتاج إلى التشريح والتبيين حتى يتضح من خلاله موقف القرآن.

إنّ التساوي في الإنسانية لا تعني التساوي في جميع الجهات،وفي القدرات والغرائز والنفسيات، حتى يتجلّـى الجنسان، جنساً واحداً لا يختلفان إلاّ شكليّاً، ومن يقول ذلك فإنّما يقول في لسانه وينكره عقله ولبّه.

لا شكّ انّ بين الجنسين فوارق ذاتيّة وعرضية، فالا ُولى نابعة من خلقتها، والثانية تلازم وجودها حسب ظروفها وبيئتها، وبالتالي صارت تلك الفوارق مبدأً للاختلاف في المسؤوليات والأحكام.

جعل الإسلام فطرة المرأة وخلقتها، المقياس الوحيد في تشريعه وتقنينه والتشريع المبني على الفطرة يتماشى معها عبر القرون، وهذا هو سرّ خلود تشريعه، وأمّا التشريع الذي لا يأخذ الفطرة بنظر الاعتبار، ويقنِّن لكلّ من الأُنثى والذكر على حدّ سواء فربما لا ينسجم مع الفطرة والخلقة ويخلق تعارضاً بين القانون ومورده ويورث مضاعفات كثيرة كما نشاهده اليوم في الحضارة الغربيّة.


شبهات وحلول

1. الرجال قوّامون على النساء

أعطى سبحانه إدارة شؤون الأُسرة للرجال دون النساء، ومعنى ذلك انّ الرجل هو الذي يترأس الجهات التي بها قوام العائلة، لأنّ الإدارة تتقوّم بأمرين متحققين في الرجل دون المرأة وهما:

1. القوة وتحمل الشدائد.

2. الإنفاق ورفع الحاجات المالية.

والرجل يتوفر فيه الأمر الأوّل أكثر من غيره.

وأمّا الإنفاق فقد فرض الإسلام إدارة أُمور الأُسرة المالية على الزوج، فهو الذي يتحمل المشاق ليدير دفة العائلة.
وقد أشار سبحانه إلى تلك الإدارة وانّها تدخل تحت صلاحيات الرجل بقوله: ( الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلى النِّساء ) كما أشار إلى الشرطين بقوله: 1. ( بما فَضّل اللّه بعضهم على بعض ) 2. ( وبما أنفقُوا من أموالهم ) ( [853]).

وليس المراد الأفضلية عند اللّه وفي ميزان القرب منه سبحانه، بل المراد هوالتفوّق على الجنس الآخر في تحمل الصبر والاستقامة على الشدائد. وهو أمر تكويني لا يمكن إنكاره، ومن أنكر فانّما أنكره بلسانه دون قلبه، وهذا هو المراد من الأفضلية.

وأمّا الشطر الثاني فهو حكم تكليفي وضعه سبحانه على عاتق الرجل، وبذلك صار أولى بإدارة شؤون الأُسرة من المرأة، وعلى ذلك سارت الحياة الاجتماعية.

فلو كان هناك انتخاب طبيعي فقد اختير الرجل لإدارة الأُسرة اختياراً طبيعياً أمضاه الشارع.

هذا هو معنى القوّامية وليس فيه أيّ هدر لكرامتها، نعم تفسير القوامية بالسلطة على المرأة وإجحاف حقّها والتدخل في شؤونها بما هو خارج عن إطار العلقة الزوجية أمر مرفوض ومن فسر الآية به فقد افترى على اللّه سبحانه.

فإدارة الأُسرة والتخطيط لها نحو مستقبل أفضل حسب الاستطاعة شيء، وإنكار حقّ الزوجة والتسلّط عليها وإجحاف حقوقها شيء آخر ، ومن خلط بين الأمرين فقد انحرف عن جادة الصواب.

2. تعدّد الزوجات

من المسائل التي يثيرها الغرب والمؤسسات التي تدافع عن حقوق النساء هي مسألة تجويز تعدّد الزوجات التي شرعها الإسلام، ومنطقهم انّ تجويز تعدّد الزوجات تشكل معاناة للزوجة أوّلاً وتخالف المساواة بين الزوج والزوجة ثانياً، وسنقوم بتسليط الضوء على كلا الأمرين، فنقول:
 
لا شكّ انّ الأصل في تشكيل الأُسرة هو أن يحبس الزوج نفسه ولا يتزوج بزوجة ثانية رعاية لحال الزوجة الأُولى، وممّا لا شكّ فيه انّ حبس كلّ من الزوجين نفسه على الآخر يشكل رصيداً لبقاء أواصر الأُسرة ويُسفر عنه سيادة الثقة المتبادلة بين الزوجين.

ومع الاعتراف بذلك لكن ربّما يواجه الزوج بعض الظروف والحالات التي تلجئه إلى عدم الاكتفاء بزوجة واحدة وهذا أمر لا يمكن لأحد إنكاره نظير:

إذا كانت الزوجة مريضة مدّة مديدة، أو كانت عقيمة لاتنجب، أو كانت غريزتها الجنسية ضعيفة لا تلبي حاجات الزوج، أو كان الزوج يقطن في مناطق نائية بعيداً عن زوجته مدّة لا يستهان بها، ففي تلك الظروف لا يتمكن الزوج من الاقتصار على زوجة واحدة، فأمامه ـ مع قطع النظر عن تجويز تعدّد الزوجات ـ طريقان:

الأوّل: أن يكبح جماح شهوته ويحد من نشاطها.

الثاني: أن ينزلق في مهاوي الفساد والفحشاء.

أمّا الأوّل: فلا يقوم به إلاّ الأمثل فالأمثل من الرجال.

وأمّا الثاني: فهو يخالف كرامته وشرفه وينجم عنه أضرار بدنية ونفسية وغير ذلك.

فإذا سدَّ الطريقان أمامه فلا يبقى له سبيل سوى أن يختار زوجة بعقد رسمي مع مهر ونفقة وسكنى لتدخل في نطاق الأُسرة ويتحمل مسؤولية الجميع على حدّ سواء مع تطبيق العدالة، وهذا هو الذي دعا الإسلام إلى تشريع تعدّد الزوجات، قال سبحانه: ( فَانْكِحُوا ما طابَ لكُمْ مِنَ النِّساء مَثْنى وَثلاثَ وَرُباع ) ( [854]) .

ومن الطبيعي معاناة الزوجة الأُولى مع قيام الرجل بانتخاب زوجة أُخرى له، ولكنّه أمام انجراف الرجل في الفحشاء وانحلال الأُسرة من رأس أخف وطأة وأقل معاناة.

إنّ الغرب وإن طبّل وزمّر ضد قانون تعدّد الزوجات، لكنّه في الواقع اتخذ سلوكاً موافقاً مع هذا القانون لكن بصورة شوهاء حيث إنّه يقتنع بزوجة قانونية في حين يقيم علاقات جنسية مع نساء كثيرات خارج إطار الأُسرة ولا يكتفي بواحدة.

إنّ نظام الأُسرة في الغرب أخذ يضمحل وينحل، وما ذلك إلاّلخيانة الرجل زوجته بإقامة علاقات جنسية مع نساء أُخر ، وما ينطوي عليه من فقدان الثقة واضمحلال الروابط العاطفية بينهما، وينتهي إلى انفصام أواصر الأُسرة ، قانونياً وعملياً.

وأمّا مسألة المساواة حيث أُبيح للزوج إقامة علاقات جنسية مشروعة مع نساء أُخر دون الزوجة فهذا أمر نحن في غنى عن الإجابة عنه، فإنّ تجويز تعدّد الأزواج للزوجة يكسر عمود النسب ويعصف بالأُسرة ويترك ألواناًمن الأمراض وتفسد العلاقات من رأس وحينها يكون المجتمع مرتعاً خصباً للزنا والفحشاء.

وبذلك يعلم سرّ التشريع الإسلامي في تجويز تعدد الزوجات دون الأزواج.

3. الضرب عند النشوز

من الإشكالات المثارة على حقوق المرأة في الإسلام هو انّه يسوغ للزوج أن يضرب الزوجة عند نشوزها إذا لم ترجع الزوجة ببذل النصيحة والعظة، وهجران مضجعها، قال سبحانه: ( واللاتي تَخافُونَ نُشُوزهنّ فَعِظُوهنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبغوا عَلَيْهِنَّ سَبيلاً إِنَّ اللّهَ كانَ عَليّاً كبيراً ) ( [855]) .

والحقّ انّ ذلك الإشكال المثار نجم عن عدم التدبر في مضمون الآية ومورد إباحة الضرب، فالآية تبحث في امرأة ناشزة أطاحت بحقوق زوجها وأساءت بإنسانيته دون أن يضيع منها حق، ففي ذلك الجو المفعم بتمرّد الزوجة على زوجها حتّى ظلت متشبثة به بعد معالجتها بالنصح والعظة أو هجرانها في الفراش لا محيص للزوج عن معالجتها بالضرب غير المبرح حتى تردع الزوجة عن شذوذها الذي طغى على إنسانيتها وكدر صفوة الجو العائلي.

وبذلك اتضح أوّلاً انّ البحث ليس في زوجة مقهورة على أمرها، ومظلومة في حقّها، فاندفعت إلى التمرد دفاعاً عن حقّها وكرامتها، بل الكلام في المرأة التي قام الزوج بجميع حقوقها ولكنّها طغت على حقوق الزوج وتمردت عليه.

وثانياً: ليس المراد من الضرب هو الضرب المبرح ولا المدمي، بل المراد الضرب المخيف حتى تردع عن شذوذها، وقد فسر الإمام الباقر (عليه السلام) الضرب في الآية بالضرب بالسواك. ( [856])

وهذه الحالة فريدة من نوعها، وقلّما يتفق أن لا يُثمر العلاجان الأوّلان، وعلى فرض الوصول إلى هذه الدرجة، فليس الضرب ضرباً مبرحاً، وإنّما الغرض فيه هو ايجاد الرعب في قلبها كي تردع عن تمردها.

روى الإمام الباقر (عليه السلام) عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : «أيضرب أحدكم المرأة ثمّ يعانقها».

وفي الختام نعطف أنظار الحضار إلى كلمة قيمة عن إمام حكيم خبير بداء المجتمع ودوائه ألا وهو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) حيث قال: «ولا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها، فانّ المرأة ريحانة وليست قهرمانة» ( [857]) فلنتعامل معها، بما أنّها ريحانة لا قهرمانة، ولنطلب منها ما يطلب من موجود ظريف كوردة الربيع لا تتحمل البرد القارص ولا الحر الذي يذبلها .
____________________________________________________________________________________________

[833] .  أُلقي المقال في جامعة « جرش » الاردن الهاشمي شهر محرم الحرام عام 1419 هـ ، عند رحلة المحاضر إليها في ذلك العام.

[834] .  النحل: 58 ـ 59.
[835] .  التكوير: 8 ـ 9.
[836] .  الحجرات: 12.
[837] .  النساء: 1.
[838] .  الإسراء: 70.
[839] .  النحل: 97.
[840] .  المائدة: 32.
[841] .  المائدة: 49.
[842] .  مسند أحمد:2/ 192.
[843] .  النساء: 7.
[844] .  النساء: 11.
[845] .  النساء: 12.
[846] .  النساء: 30.
[847] .  النساء: 4.
[848] .  النساء: 4.
[849] .  النساء: 19.
[850] .  النساء: 20.
[851] .  البقرة: 228.
[852] .  البقرة: 233.
[853] .  النساء: 33.
[854] .  النساء: 3.
[855] .  النساء: 34.
[856] .  مجمع البيان: ج2، في تفسير الآية.
[857] .  نهج البلاغة ، قسم الرسائل، الرسالة 31.

شارك هذا المقال

التعليق 0

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

من نحــن

مجلة ريحانة الالكترونية تعنى بجميع شؤون المرأة التي تناولها القرآن الكريم والسنة الشريفة. تعمل هذه المجلة تحت مجموعة شبكة رافد للتنمية الثقافية وهي مجموعة ثقافية تحت إشراف مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
علماً بأن عنوان هذه المجلة قد تم اقتباسه من الحديث الشريف عن أمير المؤمنين علي بن أبيطالب (عليه السلام): "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة".(نهج البلاغة)

أحدث المقالات

اسألي الفقيه