ولم يدع المنافقون والمتقاعسون تثبيط العمل رغم الهمّة والحماس الذي أبداه المسلمون.
صرح القمي في تفسيره: بأن رسول الله صلى الله عليه وآله كان هو البادئ في حفر الخندق، حيث قال: (وأخذ معولاً، فحفر في موضع المهاجرين بنفسه. وأمير المؤمنين عليه السلام ينقل التراب من الحفرة، حتى عرق رسول الله صلى الله عليه وآله وعيي، وقال:« لا عيش إلا عيش الآخرة اللهم اغفر للأنصار والمهاجرة »
وقد ظهرت له صلى الله عليه وآله حينئذٍ كرامات ومعجزات، فقد ورد عن جابر بن عبد الله، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله في حفر الخندق، وقد حفر الناس وحفر علي عليه السلام، فقال النبي صلى الله عليه وآله : « بِأَبِي مَنْ يَحْفِرُ وَ جَبْرَئِيلُ يَكْنُسُ التُّرَابَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ مِيكَائِيلُ يُعِينُهُ، وَ لَمْ يَكُنْ يُعِينُ أَحَداً قَبْلَهُ مِنَ الْخَلْقِ ».
ثم قال النبي صلى الله عليه وآله لعثمان بن عفان: « إحفِر »، فغضب عثمان، وقال: لا يرضى محمد أن أسلمنا على يده حتى يأمرنا بالكدّ، فأنزل الله على نبيه: ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾(2) (3).
ففرغ رسول الله صلى الله عليه وآله من حفر الخندق قبل قدوم قريش بثلاثة أيام. وذكروا أيضاً: أنه قد بلغ طول الخندق نحواً من خمس آلاف ذراع - أي نحو ثلاث كيلو مترات - وعرضه تسعة أذرع، وعمقه سبعة أذرع .
اطعام المسلمين بمعجزة رسول الله صلى الله عليه وآله
وقد استضاف جابر بن عبد الله النبي صلى الله عليه وآله أيام حفر الخندق ورأى معجزته وجعل ذلك الطعام مباركاً حتى أكل كل من كان حاضراً في ذلك الوقت، وهم مئات من المسلمين! ولم ينقص من الطعام شيء كل ذلك بفضل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله.
عن جابر قال : « علمت في غزوة الخندق أن رسول الله صلى الله عليه وآله مقوى ، أى جائع ، لما رأيت على بطنه الحجر ، فقلت : يا رسول الله هل لك في الغداء؟ قال : ما عندك يا جابر؟ فقلت : عناق وصاع من شعير ، فقال : تقدم وأصلح ما عندك ، قال جابر : فجئت إلى أهلي فأمرتها فطحنت الشعير ، وذبحت العنز وسلختها ، وأمرتها أن تخبز وتطبخ و تشوي ، فلما فرغت من ذلك جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت : بأبي وأمي أنت يا رسول الله قد فرغنا ، فاحضر مع من أحببت ، فقام صلى الله عليه وآله إلى شفير الخندق ثم قال : يا معشر المهاجرين والانصار أجيبوا جابرا ، وكان في الخندق سبع مأة رجل ، فخرجوا كلهم ، ثم لم يمر بأحد من المهاجرين والانصار إلا قال : أجيبوا جابرا ، قال جابر : فتقدمت وقلت لاهلي : قد والله أتاك رسول الله صلى الله عليه وآله بما لا قبل لك به ، فقالت : أعلمته أنت ما عندنا؟ قال : نعم ، قالت : فهو أعلم بما أتى ، قال جابر : فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله فنظر في القدر ثم قال : اغرفي وأبقي ، ثم نظر في التنور ثم قال : أخرجي وأبقي ، ثم دعا بصحفة فثرد فيها وغرف ، فقال : يا جابر أدخل علي عشرة عشرة ، فأدخلت عشرة فأكلوا حتى نهلوا ، وما يرى في القصعة إلا آثار أصابعهم ، ثم قال : يا جابر علي بالذراع ، فأتيته بالذراع فأكلوه ، ثم قال : أدخل عشرة فأدخلتهم حتى أكلوا ونهلوا ، وما يرى في القصعة إلا آثار أصابعهم ثم قال : علي بالذراع ، فأكلوا وخرجوا ، ثم قال : أدخل علي عشرة فأدخلتهم فأكلوا حتى نهلوا ، وما يرى في القصعة إلا آثار أصابعهم ، ثم قال : يا جابر علي بالذراع ، فأتيته فقلت : يا رسول الله كم للشاة من الذراع؟ قال : ذراعان ، فقلت : و الذي بعثك بالحق لقد آتيتك بثلاثة ، فقال : أما لو سكت يا جابر لاكل الناس كلهم من الذراع ، قال جابر : فأقبلت ادخل عشرة عشرة فيأكلون حتى أكلوا كلهم ، وبقي والله لنا من ذلك الطعام ما عشنا به أياما » (4).
1ـ تفسير القمي / علي بن ابراهيم القمي / المجلّد : 2 / الصفحة : 177 / الناشر: دار الكتاب.
2ـ سورة الحجرات: آية 17.
3ـ تفسير البرهان / السيد هاشم البحراني / المجلّد : 5 / الصفحة : 122 / الناشر مؤسسة البعثة.
4ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 18 / الصفحة : 25 / ط مؤسسةالوفاء ؛ عن تفسير القمي / علي بن ابراهيم القمي / المجلّد : 2 / الصفحة : 177 ؛ وانظر الخصائص الكبري / جلال الدين السيوطي / المجلّد : 1 / الصفحة : 377 يروي الحادثة عن الشيخين.