مجلة ريحانة الالكترونية

دور الزوجة في إسعاد الزوج.. هدف سامٍ

◄حول السعادة:

السعادة أجمل كلمة في لغات العالم، وأسمى هدف في مسعى الإنسان

في هذه الحياة، هي في معناها الشامل الحبور الذي ينتج عن وصول المرء إلى درجة الرضى الكامل والطمأنينة التامة في أفكاره وسلوكه وعلاقاته وحاجاته من جميع النواحي، وليس من الضروري أن تكون شاملة عامة، فقد يكون المرء سعيداً في جانب غير سعيد في جانب آخر، حيث لا ينافي ذلك كونه سعيداً في الجملة.

 

وقد أضفى الإسلام على السعادة بعداً سماوياً، لتكون السعادة الحقيقية في انسجام الإنسان مع نفسه ومحيطه في إطار التوجيه الإلهي الذي يرجع الأمور جميعاً إلى الباري تعالى ويعطي الأشياء حقائقها في أصل التكوين، فليست السعادة مجرّد التعلُّم أو الطعام أو الجنس.. بل هي التعلُّم النافع الموصل للغاية، والطعام الصحي المفيد المحلّل، والجنس الطاهر النظيف، بل السعادة ليست هذه الدنيا بل هي الآخرة بفرق هائل كبير، ومع ذلك حرص الإسلام على سعادة الإنسان في هذه الدنيا، فسخَّر له كلّ شيء، وزوده بالوسائل التي تساعده على تلبية حاجاته، فكان الدِّين أهم هذه الوسائل التي تنير الطريق في ظلام العلاقات والغرائز والطبيعة، وكان السعي والعمل هو ثمن السعادة الذي لابدّ من بذله لنيلها.

الأسرة والسعادة:

وفي هذا السياق لابدّ أن نعتبر الزواج من جملة الوسائل التي تحقق السعادة للإنسان، وذلك نظراً لما يترتب على الزواج من منافع مختلفة للفرد وللجماعة، وليس أقلها شأناً قضاء حاجة الجنس، أو الانسجام النفسي والطمأنينة التي تحصل من معايشة رفيق نبيل خلوق، أو الأولاد الذين تستمر بهم عملية التناسل وإعمار الحياة والنموذج الجيِّد الناتج من حسن تربيتهم وتأديبهم، أو غير ذلك من الأمور التي تترتب على الزواج بنحو قطعي وقهري ليساهم في السعادة مساهمة فاعلة قوية تجعل الفرق كبيراً بين سعادة الأعزب والمتزوج، وتوضح السر في ذم الإسلام للعزوبة والعزاب ومدحه الكبير للزواج والمتزوجين، وقد تضافرت الأحاديث على ذلك لتبلغ حداً من المعلومية والشهرة يغنينا عن ذكرها، ويستوقفنا من هذه الأحاديث قوله (ص): "أراذل موتاكم العزاب"[1]، ذلك أنّ بين العزّاب أتقياء أو علماء أو شهداء، أفإن ماتوا عزّاباً كانوا أراذل..؟؟!!

يبدو لي أنّ المراد من تعبير (الأراذل) الذين لم ينالوا أمانيهم في الدنيا ولا انسجموا مع المستوى الاعتيادي للعيش فيها، فماتوا في مرتبة دون التي يجب أن يصلوا إليها، حيث من الطبيعي أن يكون المرء مكتفياً في عيشه غير فقير، وأن يكون متزوجاً ذا أولاد، وأن يكون وجيهاً شريفاً في قومه وعشيرته، وأن يكون متعلماً عارماً،... وهكذا يكون المحروم من ذلك مرذولاً والحائز عليها شريفاً، وقد يستأنس لذلك بوصف قوم نوح للذين آمنوا به بالأراذل في قوله تعالى: (وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ) (هود/ 27)، فقد اعتبروهم أراذل لأنهم دون قومهم مالاً ومستوى اجتماعياً وفكرياً.

من أجل ذلك يمكن القول إنّ الأعزب.. حتى ولو كان مؤمناً.. هو في مرتبة دون المؤمن المتزوج، تحصناً عن المحرمات، وخبرة بالنفوس، وصبراً على البلايا، وسعادة نفسية، ومن يكون دون غيره يكون مرذولاً.. أي ساقطاً وهابطاً عن المستوى الذي عليه التكوين.. والذي يحبه الله تعالى.

وكفى بهذا الحديث دلالة على أهمية الزواج في الحياة، وعلى دوره في تحقيق الانسجام بين الإنسان وفطرته ومحيطه المقتضي لحصول السعادة والاستقرار في حياته.

وهم السعادة:

وإنّ من جملة الأفكار المشبوهة التي دخلت مجتمعنا الإسلامي ولوثت أفكاره تمجيد العزوبية وذم الزواج والحياة الأسرية، سواء في إطار الدعوة إلى الزهد والتصوف المنحرف أو في إطار الدعوة إلى التحلل الجنسي والفوضى الأخلاقية التي تأثر بها العديد من مثقفينا في هذا العصر تقليداً للغرب وحضارته المادية المنحرفة، وإذا كان ثقل المسؤولية هو الذي يُكَبِّره بعض الناس بالزواج، فإنّ هذا شأن ضعاف النفوس الذين يتخيلون السعادة بالحياة الفارغة الرخية، بل هو شأن الذين لا يعرفون أنّ لذة الطعام واستشعار السعادة منه لا تحصل إلا بعد معاناة الطبخ والمضغ والهضم، وأنّ لذة العلم لا تنال إلّا بالتفكُّر والتعب والسهر، فإن كانت المسؤولية هي شرف الإنسان وحقيقة إنسانيته يصبح الزواج – كما كلّ شيء آخر – مسعداً بقدر ما فيه من مسؤولية ومعاناة لذيذة، ومعه لا عجب أن يكون الجيل الذي تخيفه مسؤولية الزواج جيلاً ضعيفاً مهزوماً، كما لا عجب أن تكون سمة هذا العصر وهذه الحضارة.. الشقاء والقلق.

ولكن بحمد الله تعالى يبقى هؤلاء هم النشاز أمام قوة الفطرة وأصالتها.. حيث لا تزال للأسرة وللزواج مكانتهما الرفيعة عند البشر مهما عصفت رياح التحلل.

إسعاد متبادل:

وعلى هذا الأساس يعتبر الزواج ركناً في سعادة الفرد لأنّه يتيح له سد غائلة الجنس بنحو هادئ وصحي، بعيداً عن قلق المغامرات العاطفية.. وعن قذارة العلاقة المتجللة، وهو يتيح توازناً روحياً واستقراراً في العلاقة مع الله تعالى وشريعته بعيداً عن إلحاح الغرائز وإغرائها بالإشباع المحرم، فينسد بذلك باب واسع من أبواب الوساوس الشيطانية وينفتح به باب واسع من أبواب الإيمان والتقوى، وكذلك فإنّ الزواج يضع الفرد أمام أخلاقه الحقيقية وأمام طاقاته المخزونة في مواجهة الحياة، فيتعلم فن القيادة وتحمل المسؤولية والصبر الجميل والحنكة وحسن التصرف.... ونحو ذلك من الأمور التي لا تظهر إلا عند المعاناة ومواجهة الشدائد، ومن جهة ثانية يعيش المرء – من خلال الزواج – تجربة رائعة في التضحية والحرص على إسعاد الآخرين زوجاً أو ولداً.. ولو على حساب بعض الراحة الشخصية، حيث تصبح هذه المسألة والنجاح فيها سر السعادة الذي لا يصل إليه إلا لناضجون من الرجال والنساء، وجوهر العلاقة الزوجية الذي عبرت عنه الآية الكريمة بـ(السكن) في قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً...) (الروم/ 21)، وليس (السكن) إلا الطمأنينة الناتجة من حسن العشرة القائمة على الرحمة والمودة.. والتي هي عين السعادة وثمرتها.

والإسعاد ليس مطلوباً من المرأة وحدها، بل هو عملية متبادلة ومشتركة يقوم كلّ من الزوجين بنصيبه منها تجاه الآخر، وخلافاً لبعض الشعوب كالهنود مثلاً، وخلافاً لما هو مرتكز – ظلماً وخطأً – في وجدان الشعوب الإسلامية، فإنّ الإسعاد ليس واجب المرأة وحدها.. ولا حقّ الرجل وحده، وإنّ تصور هؤلاء ذلك وذهبوا إلى ألوان من الممارسات تكرس هذا المفهوم وتجعل المرأة مجرد خادمة ساهرة على راحة الزوج دون أن يكون لها أدنى كرامة ودون أن يعتني بسعادتها أبداً.

فالإسلام يعتبر الزواج عهداً متبادلاً يُحمِّل كلاً من الزوجين مسؤولية تجاه شريكه ويصفه بـ(الميثاق الغليظ)، ويعتبر سكناً لنفس الزوج ونفس الزوجة وعاملاً لسعادتهما، كما مرّ في الآية السالفة، ويرتب الإسلام على كلِّ من الزوجين واجبات ويضمن له حقوقاً، حيث تؤكد الآية الكريمة أن (لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ...) (البقرة/ 228)، واحدة فقط، وفي إطار الأخلاق والشريعة تعطى المرأة من الحقوق مثلما يعطى الرجل، ليبدو من جميع ذلك أنّ الرجل ليس قطب الرحى في الحياة الزوجية، وكما من حقّه أن يسعد في هذه الحياة كذلك من حقِّ الزوجة بنفس المرتبة.

ونحن في هذا البحث لا نريد أن نكرس ذلك المعنى الجاهلي المنحرف، بل نريد أن نخص دور المرأة في إسعاد زوجها.

دور المرأة في إسعاد الزوج:

والحقيقة أنّ السعادة التي يستشعرها الرجل في عالم الزواج وبرفقة امرأة صالحة لا تعدلها سعادة أخرى غير لذة الإيمان وحلاوته، وقد ورد التصريح في بعض الروايات بأن من أسباب السعادة الزوجية الصالحة[2]، ولا عجب في ذلك فإنّ الوحدة الموحشة والشخصية غير الناضجة موجبة للشقاء واضطراب العلاقات بينما يكون الأنس بشريك متفهم يُعين على الدِّين والدنيا ويزرع البسمة والحيوية في أرجاء البيت.. يكون هذا الشريك من موجبات السعادة وأركانها.

ولعل من نافلة القول التذكير بأنّ انسجام العلاقة بين الزوجين هو جوهر السعادة الزوجية، وهذا الانسجام لن يحصل إلا إذا رأى الزوج في زوجته معيناً له في متاعبه ومقدراً لآماله ومزاجه وحريصاً على بذل الخير في سبيله، وعند ذلك يشعر الرجل بالطمأنينة والسعادة.. عندما يتوفر له الجوّ الذي يدفعه لتحقيق آماله في الحياة بعزيمة وقوة، بحيث يحسن إنتاجه ويعظم دوره كلما خلا قلبه من الشواغل ونفسه من القلق، ومن ثمّ فإنّ الرجل السعيد لابدّ أن تشاركه زوجته في شرف الدور وضخامة الإنجاز بمقدار ما تكون قد هيأت له الظروف المناسبة، ليكون – فعلاً – وراء كلّ رجل عظيم امرأة.

والمرأة القادرة على توفير السعادة للرجل بكلِّ جد وإخلاص وقوة لأنها عندما تحب زوجها فسوف تشتد في التضحية أمامه، بسبب ما في تكوينها النفسي من مخزون عاطفي عظيم يجعل معظم همها في الرجل، بحيث انّ مدار حياة المرأة وعواطفها وأعظم غاياتها أن تقترن برجل يحبها وتِلد منه وتعيش في كنفه، وهذا الهم يغلب حتى على الإيمان عند معظم النساء، إلا من رحم ربي من النساء المؤمنات القانتات، وقد ورد التصريح بذلك في رواية عن عليّ (ع) "خلق الرجال من الأرض وإنما همهم في الأرض، وخلقت المرأة من الرجال وإنما همها في الرجال..)[3]، وهو حديث واقعي تماماً، فإنّ المتزوجين يعرفون أنّ مدار حياة المرأة هو زوجها بينما همة الرجل التي تملك أقطار نفسه هي (الأرض) أي الحياة وما فيها من شؤون متنوعة.

فإذا كان الأمر كذلك فإنّه نقطة إيجابية جدّاً في صالح الرجل وسعادته، ومفيد في توجيه العاطفة الغريزية المختزنة عند المرأة تجاه الزوج الذي لابدّ أن يحسن العشرة ويستفيد من هذه النزعة، كذلك فإنّها سوف تساعد المرأة على الأنس بحياة المنزل والرغبة في تهيئة أسباب الراحة للرجل، ليس في إطار الخدمات فحسب بل حتى في إطار التهيؤ لزوجها العائد لتقدم له ما يحب، وهو أمر قد لا تقدر عليه المرأة إذا غرقت في الحياة العامة وصارت همتها مثل الرجل في (الأرض).

إذن، كون همتها في الرجل، وغزارة عاطفتها، وأنسها بحياة البيت، هي التي تضفي تميزاً على دور المرأة في إسعاد زوجها، ربما أكثر من قدرة الزوج على إسعادها بنفس الدرجة، وإن كان هذا الواقع النفسي – ذاته – هو الذي سوف يؤثر سلباً على سعادة الرجل عند إفراط المرأة في الانسياق مع هذا الواقع.

 
الهوامش:

[1]- وسائل الشيعة، ج14، ص6.

[2]- وسائل الشيعة، ج14، ص23.

[3]- المصدر نفسه، ج14، ص41. والتصريح فيه بأنّ المرأة قد خلقت من الرجل، وهو موضوع يطول الكلام فيه. والظاهر أنّ المعنى هنا من قبيل الرمز، حيث يظهر من بعض الأحاديث نفي ذلك وتأكيد أنّ المرأة خُلقت من الطين مثل الرجل.

رابط الموضوع

شارك هذا المقال

التعليق 0

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

من نحــن

مجلة ريحانة الالكترونية تعنى بجميع شؤون المرأة التي تناولها القرآن الكريم والسنة الشريفة. تعمل هذه المجلة تحت مجموعة شبكة رافد للتنمية الثقافية وهي مجموعة ثقافية تحت إشراف مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
علماً بأن عنوان هذه المجلة قد تم اقتباسه من الحديث الشريف عن أمير المؤمنين علي بن أبيطالب (عليه السلام): "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة".(نهج البلاغة)

أحدث المقالات

اسألي الفقيه