مجلة ريحانة الالكترونية

الوفاق فی البیت (2)


2- التمییز الممقوت
من جملة الأشیاء التی تسلب المحبة من البین العائلی، والذی ینبغی لنا أن نحذره هو التمییز

الممقوت بین صهرین أو بنتین أو غلامین.
فترى على سبیل المثال أن إحدى البنات ترث قلیلاً بینما ترِث أختها أکثر منها، أو قد یُحرم فتى من ذلک، والسبب فی ذلک حب الأبوین لتلک البنت مثلاً.أو یحرم أحدهم ابنته من الإرث، ـ والعیاذ بالله ـ لأنه لا یحبّها، وعندما تسأله عن ذلک یبرر عمله بشتى التبریرات المزخرفة.
إن هذه المسائل وغیرها یمکن ان تحید بالبنت أو الابن عن جادة الصواب فتبرز الجنایات والخیانات وکل ما یسیء إلى الإنسانیة والبشریة، قال رسول الله صلى الله علیه وآله:
(رحم الله من أعان ولده على برّه قال: قلت: کیف یعینه على بره؟ قال: یقبل میسوره، ویتجاوز عن معسوره، ولا یرهقه، ولا یخرق به، ولیس بینه وبین أن یدخل فی حد من حدود الکفر إلا أن یدخل فی عقوق أو قطیعة رحم)(10).
فالوالدن اللذان یعینان أبناءَهما على العقوق ملعونان، لأن الابن عندما یرى أمه مقصّرة فی أعماله مع زوجته، ومعتدیة علیها بدون سبب یذکر یضطر إلى إبداء بعض الخشونة معها فیضحى عاقاًّ بحقها، وعندها یخسر خیر الدنیا، وخیر الآخرة.
وعندما یرى الولد بأن والده یمیّز بینه وبین بقیّة إخوانه، یغتم ویهتم، ویصبح معقّداً، فیسیء الظن بالوالد ـ والعیاذ بالله ـ عندها یستسهل استغابته، والتحدث علیه وکأنما یتحدث على أخٍ له، وهذا هو العقوق، کون الابن لا یحق له التکلم على أبیه بالمرة، ولو کان ابوه مقصّراً فی حقه، ولیعلم الشباب بأن احترام الأبوین واجب ولازم حتى لو کانا أمیین أو غیر مثقفین:
(وقضى ربک أن لا تعبدوا إلا إیّاه وبالوالدین إحساناً، أمّا یبلُغَنَّ عِندَکَ الکِبَر أحدهما او کلاهُما، فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما، وقل لهما قولاً کریماً) (11).
قال الصادق جعفر بن محمد علیه السلام:(بر الوالدین من حسن معرفة العبد بالله، إذ لا عبادة أسرع بلوغاً بصاحبها إلى رضا الله من حرمة الوالدین المسلمین لوجه الله تعالى، لأن حق الوالدین مشتقّ من حق الله تعالى إذا کانا على منهاج الدین والسنّة ولا یکونان یمنعان الولد من طاعة الله إلى معصیته، ومن الیقین إلى الشک، ومن الزهد إلى الدنیا، ولا یدعوانه إلى خلاف ذلک، فإذا کانا کذلک فمعصیتهما طاعة، وطاعتهما معصیة، قال الله عز وجل: (وإن جاهداک على أن تشرک بی ما لیس لک به علم فلا تطعهما) وأما فی العشرة فدار بهما، وارفق بهما، واحتمل أذاهما لحق ما احتملا عنک فی حال صغرک، ولا تقبض علیهما فیما قد وسّع الله علیک من المأکول والملبوس، ولا تحوِّل بوجهک عنهما، ولا ترفع صوتک فوق أصواتهما، فإنه من التعظیم لأمر الله وقل لهما بأحسن القول وألطفه، فإن الله لا یضیع أجر المحسنین)(12).
أیها الآباء! أیتها الأمهات! لا ینبغی لکم جمیعاً التفریق بین أولادکم فی المحبة، ولا یجدر بکم أن تمیّزوا بین الصغیر والکبیر، أو الغلام والبنت لأن ذلک یبعث على خلق الخلافات بین الأخ والأخت، وبین البنت وأختها فتکونان مذنبین من جرّاء فعلتکما تلک، وقد ینجرّ ذلک العداء إلى الأجیال القادمة، وهذا ما شاهدته فعلاً فی بعض مجتمعاتنا المعاشة.
إن جمیع هذه المسائل من قطع رحمٍ، ومن وجود اختلافات ونزاعات تعدّ معاصی وآثاماً، والأکثر معصیة منها وإثماً هو من کان السبب فی وجودها.
إنه تقصیر ذلک الأب الأحمق الذی کان یمیّز بین ابنائه ولا یواسی بینهما أبداً، کونه کان یحبّ أحدهما، ویبغض الآخر وهذا کفر بنظر أهل القلوب الحیّة.
أیها السادة! أیتها السیدات! إن ما تعیشون فیه الیوم من مصائب وخلافات ونزاعات بین أبنائکم وأحفادکم، مرجعه إلى التمییز الممقوت الذی زرعتم بذوره أنتم حینما تقبّلون أحدهم، وترکون الآخر بدون مواساة.أیها الأبوان! علیکما أن تحذوا التودد إلى أحد الأبناء فی الوقت الذی یسمع أو یرى أبن آخر لکم حدیث الودّ ذاک، واعلموا بأن ذلک الأبن سیضحى مجرماً أو منحرفاًإذا بقیَ تعاملکم ذاک على وضعه، فکم هو جمیل ذلک التعامل الذی یتساوى فیه الأبناء جمیعاً، وکم هو حسنٌ وعاقل ذلک الأب الذی یحتضن ولدیه الواحد تلو الآخر، ولا یقتصر على أحدهما بذلک الفعل.
قال الإمام جعفر بن محمد علیه السلام:
"قال والدی علیه السلام: والله إنِّنی لأصانع بعض ولدی وأجلسه على فحذی وأنکز له المخّ، واکسر له السکّر، وأنَّ الحق لغیره من ولدی، ولکن مخافة علیه منه ومن غیره، ألا یصنعوا به ما فعل بیوسف وإخوته، وما أنزل الله سورة إلا أمثالاً، لکن لا یجد بعضنا بعضاً کما حسد یوسف إخوته، وبغوا علیه، فجعلها رحمة على من تولاّنا، ودان بحبّنا، وحجّة على أعدائنا، ومن نصب لنا الحرب والعداوة"(13).
أیها الآباء! لا ینبغی لکم أن تمیّزوا بین أبنائکم، ولو فعلتم ذلک لخربتم بأیدیکم أساس المؤسسة الأسریة، على العکس من ذلک فإن حکم المحبة فی البیت یسمو بالبیت ومن فیه إلى علیین، ویرفع معه 30% من مجمل النزاعات أو الخلافات التی یمکن أن تحدث بدون تلک المحبة.
المصادر :
1- بحار الأنوار/ ج77، ص165.
2- بحار الأنوار/ ج75 ص 55.
3- وسائل الشیعة/ ج14، ص116.
4- وسائل الشیعة/ ج14، ص116.
5- تنبیه الخواطر/ ص 362.
6- النساء/69
7- وسائل الشیعة/ ج14، ص116.
8- بحار الأنوار/ ج76، ص367.
9- بحار الأنوار/ ج103، ص237.
10- وسائل الشیعة/ ج15، ص119.
11- الإسراء/23
12- بحار الأنوار/ ج74، ص77.
13- بحار الأنوار/ ج74، ص78.

 

رابط الموضوع

شارك هذا المقال

التعليق 0

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

من نحــن

مجلة ريحانة الالكترونية تعنى بجميع شؤون المرأة التي تناولها القرآن الكريم والسنة الشريفة. تعمل هذه المجلة تحت مجموعة شبكة رافد للتنمية الثقافية وهي مجموعة ثقافية تحت إشراف مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
علماً بأن عنوان هذه المجلة قد تم اقتباسه من الحديث الشريف عن أمير المؤمنين علي بن أبيطالب (عليه السلام): "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة".(نهج البلاغة)

أحدث المقالات

اسألي الفقيه