مجلة ريحانة الالكترونية

المرأة المسلمة في مواجهة الطاغوت

 
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ليس غريباً إذا قلنا: إننا حينما نتمثل المرأة بشكل طبيعي.. فإنما نتمثل هذا الموجود الضعيف الطيب، الذي يفيض رقة وحناناً.. ولربما لا يخطر لنا على بال أن نجد لها من المواقف والأدوار إلا ما ينسجم مع تلك الرقة، ويتلاءم مع ذلك الحنان.. وأما أن نتوقع منها المواقف الجريئة، والحازمة، فربما، ولكن لا إلى الحد الذي تجاري فيه الرجل مثلاً عموماً..
هذا.. وأما المرأة في عالم اليوم.. بعد أن طغت عليها المادة وغرقت في حمأة الشهوات، حتى أصبحت مثال المهانة والابتذال، بأجلى صوره وأدق معانيه.. – إذا أردنا أن نتمثلها – فإنما نتمثل ذلك الموجود الذي فقد كل شيء، ولم يعد يملك ما يعتز به، إلا عنصر الأنوثة الطاغي..
نعم.. لم يعد لديها مما تعتز به إلا أنوثتها، وبأنوثتها هذه تستدر العطف والرحمة، وبها تحصل على المال.. وبها وعلى أساسها تحاول التغلب على كل مشاكل الحياة وهي دون غيرها أصبحت تشكل أساس تعاملها مع الرجل، وأساس كل روابطها به.. وأصبح ذلك هو عالمها الذي تعيش فيه، وتدور في فلكه، وتهيم في أجوائه.. وتقيّم كل الأمور على أساسه.. فترتبط بها أو تنفصل عنها من هذا المنطلق، وعلى هذا الأساس..
ولقد غاب عنها – مع كل أسف – أن هذا الشيء الذي ربطت حياتها ومستقبلها ومصيرها به لا يلبث أن يتلاشى وينعدم، ولتواجه من ثم مصاعب الحياة ومصائبها وهي لا تملك – بعد فقدها إياه على حسب منطقها – أي رصيد تستطيع أن تعتمد عليه في دفع الضرر عن نفسها أو على الأقل في تخفيف مشاكلها..
لأن الرجل.. الذي زين لها ودفعها بشكل أو بآخر لأن تعتبر أنوثتها هي كل ما تملك، وهي ما تستطيع فقط أن تعتمد عليه – إنما أراد وهو الذي لا مبدأ له إلا المال واللذة – ولا دين له إلا شهوته ومصلحته - أراد أن يتاجر بهذه الأنوثة ويستفيد عن طريقها المال.. أو يحصل على اللذة.. حتى إذا ذوت تلك الزهرة وذبلت ذهب ليبحث عن غيرها، مما يحقق له مآربه، ويوصله إلى أهدافه.. بأساليب أمكر، وبتصميم أكثر وأكبر.. وليتركها هي في منتصف الطريق، وحيدة فريدة، رهينة البلاء والشقاء، وأسيرة التعب والعناء.. لأنها قد ضحت بكل شيء في سبيل لا شيء.
والغريب في الأمر.. أنها لم تستطع أن تدرك أيضاً: أن هذه الأنوثة، وذلك الجمال لم تحصل عليه باختيارها.. فاعتزازها إذن بأمر لا قدرة لها فيه ولا اختيار لها معه لا معنى له، ولا منطق يساعده.. كما أنه لا مبرر لان تأخذ على أساسه امتيازاً حتى ولو أدبياً تحرم منه مثيلاتها ممن لم يسعفهن الحظ بجمال بارع، أو أنوثة صارخة..
نعم.. لقد أصبحنا نجد أن المرأة في عالم اليوم لا تهتم إلا بما يبرز معالم فتنتها، ويزيد من أنوثتها.. فهي تعيش في عوالم الأزياء، والمساحيق، والموضة.. وتخشى باستمرار أن يسبقها الزمن، وتتجاوزها الأيام.. فتفقد أعز شيء تملكه أو يفوتها الموديل الذي سوف تعتز به، أو فقل تستعين به على إظهار ما تعتز به، وعرضه في سوق المتاجرة فيما لا ينفع ولا يجدي، ولا يجر على الإنسانية أي نفع أو فائدة إن لم يكن عكس ذلك هو الصحيح..
أما الإسلام.. هذا الدين السماوي الخالد، فلقد ألغى كل الامتيازات القائمة على أساس الفتنة والإغراء، والاعتزاز بالأنوثة.
واعتبر أن أساس التفاضل بين بني الإنسان هو التقوى ورضا الله والأخلاق الرفيعة والفاضلة الرضية نعم لقد جعل العمل هو الميزان والمقياس وجعل الأساس للاعتزاز به لكل الناس بما فيهم المرأة هو الهدف الذي من أجله وفي سبيله يكون ذلك العمل فكلما كان الهدف سامياً رفيعاً كلما كان ذلك مصدر اعتزاز وتقدير للإنسان..
وحيث إن العقيدة الإسلامية هي التي تمثل أرفع المبادئ وأسماها... وأجل الأهداف وأعلاها.. فإن من الطبيعي: أن يكون لنسبة التمسك بمبادئ الإسلام، وحجم العمل من أجله وفي سبيله.. أثر كبير في الحصول على الامتيازات، والاستحقاق والتقدير والاحترام في مختلف المجالات.. والدين والعقيدة والإسلام إذا كان هدفاً للإنسان أي إنسان.. فإنه لا ينفك في أي من الظروف والأحوال عن أن يكون مصدراً لعزته وشرفه وسؤدده سواء في حال شبابه أو في حال طفولته، أو في حال هرمه وشيخوخته.. وسواء أكان جميل المنظر جذاباً أو غير جميل ولا جذاب، وسواء أكان غنياً أو كان فقيراً وهكذا.. فهو له ومعه في كل ظرف وفي كل حين.. معه في هرمه كما كان معه في شبابه.. معه في قوته كما هو معه في ضعفه، معه في غناه كما هو معه في فقره.. وعلى هذه فقس ما سواها..
وإننا حينما نعتبره له ومعه.. فإنما يعني ذلك: أنه معه وله بكل ما لهذه الكلمة من معنى يتفاعل معه وينسجم معه ويعيش له ويعمل له ويفني فيه وجوده، وتذوب فيه شخصيته، ويجري فيه مجرى الدم.. ويتحكم بوجوده تحكم الروح بالجسد، وبكلمة: أن يعود في الحقيقة إسلاماً حياً يمشي على وجه الأرض..
ولا يمكن أن يكون الذوبان في الإسلام، وتجسد الإسلام، خيالاً عذباً يراود مخيلتنا من حين لآخر. كما أنه لا يجوز أن نعتبر أن الذوبان في الإسلام والتفاعل معه لا يتيسر إلا للأنبياء وأوصيائهم (عليهم السلام).. فلقد ربى النبي(ص) وكذلك علي عليه السلام من بعده، وبعده الأئمة المعصومون من أبنائه عليهم السلام – قد ربوا – الكثير الكثير من هذه النماذج الحية للإسلام، التي تعيش الإسلام بكل وجودها وكيانها وتفديها بكل ما تملك من غالٍ ونفيس.. لقد ربوا الكثيرين ليس رجالاً فحسب وإنما رجالاً ونساء..
فكانت النساء كالرجال في إيمانها وتضحياتها ومواقفها. نعم كالرجال.. بل ولقد زدن عليهم.. وحينما ننظر إلى تلكم النساء اللواتي صنعهن الإسلام.. فلا نكاد نعثر، ولا يمكن أن نعثر على واحدة منهن تعتبر المصدر لعزتها وسؤددها هو جمالها وأنوثتها أو فستانها أو مساحيقها ولا نكاد نجد فيهن شيئاً من ملامح الضعف والوهن.. بل هن يكدن يذبن حناناً ورقة في موضع الرقة والحنان.. وهن تزول الجبال ولا يزلن ولا تزعزعهن الرياح العواصف في موقع الحزم والصبر والشجاعة وهن يضحين بكل شيء مهما عز وغلا في موضع التضحية والفداء..
ولنا في تاريخ الإسلام الكثير من الأمثلة على ذلك.. ولا نريد أن نذكر فاطمة صلوات الله وسلامه عليها ومواقفها السياسية والعقيدية ولا نريد أن نذكر خديجة وصبرها وتضحياتها..
وإنما نكتفي بالإشارة إلى موقف واحد من مواقف بنت فاطمة وعلي(ع) وأخت سيد الشهداء الحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليه..
 
إنها زينب عقيلة بني هاشم وبطلة كربلاء..
زينب.. التي كانت تعتز بدينها وعقيدتها.. وتعتز بخلقها الرضي وسجاياها الرفيعة، وأدبها الجم.. زينب.. التي كانت تعتز بسلوكها المثالي، ومواقفها الرائدة، وعلمها النافع ورأيها الحصيف.. زينب.. التي كانت أبعد ما تكون عن حب المال والجاه والشهرة.. زينب التي كانت ابعد ما تكون عن الميوعة والابتذال والمهانة.. زينب.. التي كانت لا تعرف الأزياء ولا فواتير الطعام ولا غير ذلك مما يعرفه فتيات ونساء اليوم..
زينب هذه.. قد صنعت في مصنع الإسلام، وربيت تربية الإسلام وعاشت الإسلام عقيدة سلوكاً وهدفاً..
نعم.. زينب هذه.. لها مواقف ومواقف أين منها مواقف أفذاذ الرجال، وعظمها التاريخ.. لها مواقف ومواقف في كربلاء، وفي الكوفة وفي المدينة.. وفي الشام.. وفي كل مكان تواجدت فيه..
ولن نستطيع أن نستوفي الحديث عن مواقف زينب الرائعة والرائدة ولا أن نلم ببطولاتها النادرة.. ولذا فنحن نكتفي بتسجيل لمحات عن موقفها في الشام مع يزيد الطاغية.. وبالأخص تسجيل مقارنة سريعة بين موقفي كل من: زينب الحق والخير والمعرفة والوعي. ويزيد الخمور والفجور والظلم والطغيان والجبروت.
فيزيد.. هو صاحب الجاه والسلطان.. ويرى نفسه ملكاً على أعظم إمبراطورية في العالم، والناس كلهم تحت طاعته، ورهن إشارته..
ويزيد.. يملك الرجال، والجيوش التي تدافع عنه وتحمي سلطانه، وتخنق كل صوت يرتفع ضده، وتسحق كل مخالف ومناوئ له.. ويستطيع أن يضرب بيد من حديد ويقضي على كل حركة أو إشارة من أعدائه.
ويزيد.. يملك مقدرات أعظم دولة على وجه الأرض.. وكل الأموال الهائلة تجبى إليه من أقطار الأرض، فالمال كل المال له، وبين يديه، ومن أجله وفي سبيله.
ويزيد.. هذا الذي يرى نفسه أعظم رجل على وجه الأرض ويملك كل أساليب القوة والقهر والسلطان.. يرى نفسه أيضاً أنه هو المنتصر الفاتح، ويرى أن انتصاره كان سريعاً وساحقاً.. وهذا مما يزيد في غروره وطغيانه: وتجبره، وغطرسته.
ويزيد.. لم يعرف غير النعيم والرخاء، والطاعة العمياء من كل من حوله..
ويزيد.. في وطنه وفي بلده.. حيث نشأ وعاش وتربى.. ولا يحس بغربة، ولا بوحشة..
ويزيد.. يرى الدنيا تضحك له ويرى نفسه قادماً على مستقبل مشرق رغيد، يجد فيه كل أحلامه وأمانيه ومشتهياته..
ويزيد.. في أعز مكان يمكن أن يكون فيه: على تخت ملكه، وفي قصره وفي مجلسه، وعلى بساطه..
ويزيد.. لم يفقد أحداً من أعزائه وأحبائه في حرب كربلاء، ليفت فقده في عضده ويجرح كبرياءه، ويخفف من عنجهيته.
ويزيد.. رجل وشاب.. والرجل بطبيعته – وبالأخص إذا كان شاباً – أقوى على تحمل المصاعب، ومواجهة المشكلات من المرأة، وأقدر منها على مواجهة الصدمات ولاسيما العاطفية منها.
ويزيد.. الرجل الشاب الفاتك، ذو البطش، الذي لم يكن ليقف في وجهه شيء ولا يمنعه شيء حتى الدين من أن يرتكب أي عظيمة، ويقترف أي جريمة ولا يخاف شيئاً، ولا يرهب من شيء في سبيل ملكه وكبريائه.. بل هو يقتل حتى أبناء الأنبياء، وحتى الشيوخ والأطفال الرضع، وحتى النساء في سبيل وصوله إلى أهدافه، وحصوله على مراداته، مهما كانت رخيصة، وغير معقولة..
يزيد هذا.. يقف في وجهه خصم قوي، ومكافح شديد، ويهينه ويذله، ويبدو هو أمامه خانعاً عاجزاً مقهوراً.. ومما يزيد في مرارة الموقف، ولوعته وألمه أن خصمه في هذه المرة كان "امرأة"..
نعم.. امرأة.. والمرأة أضعف من الرجل وأرق.. كما يقولون وأقل تحملاً في مواجهة الصدمات العاطفية كما يعتقدون..
وامرأة.. مثكولة، ومصابة بأولادها، بأخوتها، بأبنائهم، بنجوم الأرض من بني عبد المطلب وبخيرة أصحابهم وشيعتهم ومحبيهم..
وامرأة.. ليس فقط مثكولة بمن ذكرنا، وإنما هي بنفسها رأت مصارعهم وشاهدت بأم عينها حالتهم البشعة، والتي تقرح القلوب وتدميها...
نعم رأت مصارعهم ورافقت كل الأحداث والمصائب التي مرت عليهم..
وامرأة.. وحيدة، ليس معها من حماتها حمي، ولا من رجالها ولي..
وليس لها جيش يحامي عنها، أو يدفع. ولا بيدها سلاح تملكه أو تلجأ إليه.
امرأة.. ليست تملك من المال شيئاً تسد به رمقها، ورمق من هي مسؤولة عنه، بل تحتاج إلى أعدائها ليساعدوها على حفظ رمق الحياة ومواجهة عقارب الجوع والعطش اللاسعة، والتي لا ترحم أحداً، ولا ترثي لأحد..
وامرأة.. تعاني من ذل الغربة، ووحشة الدار.. وليس فقط الغربة عن بلدها.. بل هي في بلد عدوها وفي يده وتحت سلطته وسلطانه..
وامرأة.. مهزومة عسكرياً أيضاً.
وامرأة.. تعاني من ذل القهر والأسر بالإضافة إلى ذل الهزيمة العسكرية.
امرأة.. تجد الشماتة القاتلة من أهل الشام بها.. حتى لتزين دمشق استبشاراً بالانتصار عليها وعلى أحبتها وبقتلهم وإبادة خضرائهم..
امرأة.. ترافقها رؤوس أبنائها وإخوتها وغيرهم من أحبتها طول الطريق على رؤوس الرماح. بشكل يفتت الأكباد ويدمي القلوب..
امرأة.. هي بالإضافة إلى كل ذلك تتحمل مسؤولية الحفاظ على طائفة كبيرة من الأرامل والأيتام والأسرى والأطفال.. وقضاء حاجاتهم والإشراف على كل حركاتهم..
وامرأة.. قد عانت من مشاق السفر ومتاعبه ما فيه الكفاية..
وامرأة.. لم لكن لها سلطان أو ملك تعتز به، أو تعتمد عليه..
وامرأة.. تقدم على مستقبل مجهول وقاتم ولا تعرف مصيرها فيه ولا مصير كل أهلها وذويها..
وامرأة.. لم تعرف البذخ والترف والنعيم والرخاء، كما كان الحال بالنسبة لبنات الملوك وأبنائهم.
امرأة.. مهما توقعنا منها.. فإننا لا نتوقع إلا أن تنهار، وتنهزم وتبكي وتنتحب وتعجز..
نعم.. هذه المرأة بالذات، وبهذه الخصائص والمميزات تقف في وجه الطاغية يزيد لتذله، وتسحق شخصيته ووجوده بقدميها – تقف في وجهه، والمواجهة أصعب من الغيبة وعلى بساطه وفي دار ملكه. ويزيد هو من قدمنا تقف وبقوة إيمانها، وصادق عزيمتها لتقول له، وللعالم أجمع: إنها هي التي انتصرت في المعركة، ويزيد – يزيد فقط هو الخاسر المغبون ولا خاسر غيره..
تقف أمام يزيد لتؤدي رسالتها، ولتعطي الصورة الحقيقية للمرأة المسلمة الواعية، التي لا تتصرف بوحي من عاطفة، ولا يطغى على مواقفها العجز، ولا الضعف والوهن..
نعم.. هذه المرأة تقف في وجه يزيد، وفي دار ملكه، وعلى بساطه وبين جنده، ورجال ملكه، وهي تعاني من ذل الأسر، والقهر، والعدم والثكل.. تقف في وجهه لتقول له –
 
عندما سمعته يتمثل بأبيات ابن الزبعري:
ليت أشياخي ببدر شهدوا لأهـلـوا واستهلوا فرحاً قد قتلنا القرم من ساداتهم جزع الخوارج من وقع الأسل ثـم قـالـوا: يا يزيد لا تشل وعـدلنـاه بـبـدر فـاعتدل
ثم زاد عليها قوله:
لعبت هـاشم بـالملك فـلا لست من خندف إن لم انتقم خبر جـاء ولا وحي نـزل من بني احمد مـا كان فعل

تقف لتقول له – على ما ذكره طيفور في بلاغات النساء / ص21 والخوارزمي في مقتل الحسين / ج2 ص64:
"الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله وآله أجمعين صدق الله سبحانه، حيث يقول: ?ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوأى أن كذبوا بآيات الله، وكانوا بها يستهزؤون?.
أظننت يا يزيد، حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى: أن بنا هواناً على الله، وبك عليه كرامة ؟ وأن ذلك لعظم خطرك عنده، فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك، جذلان مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأمور متسقة. وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا، فمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله تعالى: ?ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيراً لأنفسهم، إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين?.
أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك، وإماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا ؟ قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدوا بهن الأعداء من بلد إلى بلد، ويستشرفهن أهل المناهل والمعاقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف، ليس معهن من حماتهن حمي، ولا من رجالهن ولي..
وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء ؟!.
وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن والإحن، والأضغان ؟!.
 
ثم تقول غير متأثم، ولا مستعظم:
لأهلوا واستهلوا فرحاً ثم قالوا: يا يزيد لا تشل

منحنياً على ثنايا أبي عبد الله، سيد شباب اهل الجنة، تنكتها بمخصرتك، وكيف لا تقول ذلك، وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشأفة، بإراقتك دماء ذرية محمد صلى الله عليه وآله، ونجوم الأرض من آل عبد المطلب ؟!.
وتهتف بأشياخك، زعمت أنك تناديهم، فلتردن وشيكاً موردهم، ولتودن أنك شللت وبكمت، ولم تكن قلت ما قلت، وفعلت ما فعلت.
اللهم، خذ لنا بحقنا، وانتقم ممن ظلمنا، وأحل غضبك بمن سفك دماءنا، وقتل حماتنا..
فوالله، ما فريت إلا جلدك، ولا حززت إلا لحمك، ولتردن على رسول الله صلى الله عليه وآله بما تحملت من سفك دماء ذريته، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته، حيث يجمع الله شملهم، ويلم شعثهم، ويأخذ بحقهم: ?ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياء عند ربهم يزقون..?.
وحسبك بالله حاكماً، وبمحمد صلى الله عليه وآله خصيماً، وبجبرائيل ظهيراً، وسيعلم من سول لك، ومكنك من رقاب المسلمين، بئس للظالمين بدلاً، وأيكم شر مكاناً، وأضعف جنداً..
ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك، إني لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، واستكثر توبيخك، لكن العيون عبرى، والصدور حرى..
ألا فالعجب كل العجب !ذ لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء، فهذه الأيادي تنطف من دمائنا، والأفواه تتحلب من لحومنا، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل، وتعفرها أمهات الفراعل.. ولئن اتخذتنا مغنماً لتجدنا وشيكاً مغرماً، حيث لا تجد إلا ما قدمت يداك، وما ربك بظلام للعبيد، وإلى الله المشتكى، وعليه المعول..
فكيد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله، لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها.. وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي: ألا لعنة الله على الظالمين..
والحمد لله رب العالمين الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة. ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد، ويحسن علينا الخلافة، إنه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل.. ".
فلم يجد يزيد – الذي صعق لهول الصدمة، وارتبك، ودهش – لم يجد في جوابها إلا أن يقول ؛
يا صيحة تحمد من صوائح ما أهون النوح على النوائح
ومن موقفها هنا وموقفها مع الطاغية ابن زياد.. وأيضاً حينما مشت بقدم ثابتة إلى مصرح أخيها الحسين حيث وضعت يديها تحت جثته واستقبلت السماء لتقول: الله تقبل من هذا القربان.
من كل ذلك نعرف: أن سر قول الحسين عليه السلام وهو يتوجه إلى كربلاء حينما سئل عن حملة النساء والأطفال معه وهو يعلم أنه يقتل، يقول: إن الله شاء أن يراهن سبايا.
هذه هي المرأة المسلمة: التي عاشت الإسلام عقيدة وسلوكاً وهدفاً، وتفاعلت معه.. وذاب وجودها فيه.. قوية حازمة في موقع الحزم والقوة، صابرة محتسبة في موضع الصبر والاحتساب.. وهي أيضاً تفيض رقة وحناناً، حينما يكون ثمة حاجة إلى الحنان والرقة..
هذه هي المرأة المسلمة: التي تمثل المستوى الأعلى للوعي الرسالي.. سياسياً، واجتماعياً، وأخلاقياً، وتربوياً.. إنها مثال الإنسان الكامل.. الذي يسخر بكل الرجال المنحرفين وبالطغاة والمتجبرين.. ويسحق وجودهم، وجبروتهم.. والذي يتفاعل مع الأحداث، ويشارك في صنع مستقبل الأمة بإخلاص ووعي وجدية..
ونحن الآن بأمس الحاجة إلى هذه المرأة المسلمة، التي تستهدي بهدى الإسلام، وتتأثر خطى زينب، وتقف مواقف فاطمة، وتضحي تضحيات خديجة..
ونحن في غنى عن هذه المرأة الحاقدة المعقدة التي تمثل الميوعة والسخف بأجلى مظاهرهما، ولا تعتز إلا بأنوثتها، ولا تهتم إلا بمظاهر فتنتها..
نعم.. لا نريد المرأة التي لا تعرف إلا البلاجات، والبارات والمسارح ودور الأزياء.. نحن في غنى عن هذه المرأة، ولسنا بحاجة إليها.. إنها ضرر ودمار على المجتمع والأمة.. وهي أكبر وأخطر من كل سلاح فتاك يتهدد وجود ومستقبل المجتمعات البشرية جمعاء..
إننا نريد المرأة التي تعتز بدينها وعقيدتها، وبوعيها، وبأخلاقها الرضية وسجاياها الكريمة.. وتضحي بكل ما تملك حتى بوجودها في سبيل أهدافها العليا، وقيمها النبيلة.. نريد المرأة التي تتأثر خطى زينب بنت علي عليه السلام، وتسير على منهاجها وتؤمن برسالتها..

شارك هذا المقال

التعليق 0

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

من نحــن

مجلة ريحانة الالكترونية تعنى بجميع شؤون المرأة التي تناولها القرآن الكريم والسنة الشريفة. تعمل هذه المجلة تحت مجموعة شبكة رافد للتنمية الثقافية وهي مجموعة ثقافية تحت إشراف مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
علماً بأن عنوان هذه المجلة قد تم اقتباسه من الحديث الشريف عن أمير المؤمنين علي بن أبيطالب (عليه السلام): "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة".(نهج البلاغة)

أحدث المقالات

اسألي الفقيه