مجلة ريحانة الالكترونية

الحرية في ساعات الفراغ

"يقول جورج لوند بيرغ في كتابه (البطالة): إن ايام البطالة هي عبارة عن الايام التي نكون فيها احراراً من اوضح واهم الوظائف التي نأخذ على أدائها اجراً أو الملزمين بأدائها. وجاءت قضية البطالة باثر تطور الاختراعات التي خفضت عمل الإنسان اكثر من السابق.


في عام 1840 بلغت ساعات اسبوع العمل لكل عامل نحو 84 ساعة، بينما جرى تقليلها في عام 1930 إلى خمسين ساعة واقل. وانخفضت ساعات العمل الاسبوعي في كثير من البلدان إلى 40 ساعة ويحتمل أن تخفض إلى مستوى أقل أيضاً"(1)
العمل والنشاط كان في سالف الزمان هو المحور الاساس والهدف الرئيس للحياة الاجتماعية في رأي الناس، اما التسلية والترفيه فكان امراً ثانوياً لا ضرورة فيه.
ذلك أن الاعمال آنذاك كانت تؤدي باليد وبقوة الإنسان المحدودة وبالنتيجة لم يكن مستوى الانتاج وفيراً، مما تفرض ضرورة الحياة المزيد من العمل من اجل انتاج اكثر.
الآلة وزيادة الانتاج
وانعكست الآية في وقتنا الحاضر، واصبحت التسلية واللهو والترفيه وكسب اللذة المحور الرئيس والهدف الاساس للحياة، وباتت عدة ساعات من العمل وسيلة لقضاء فرصة ترفيه افضل عند الفراغ والحصول على اكبر قدر ممكن من المتعة. لان انجاز الاعمال يتم عبر الآلة التي رفعت مستوى الانتاج إلى حد كبير بحيث بلغ في بعض البضائع عدة اضعاف ما يستهلك منه.
"كان الإنسان في الماضي يضطر للقيام باعمال صعبة ومتواصلة لتأمين حاجياته الاساسية، وبالتالي كان ينظر إلى العمل نظرة احترام و إلى البطالة نظرة اشمئزاز، الا ان الاوضاع تغيرت كلياً في الوقت الحاضر. ولا يستطيع الإنسان أن ينظر اليوم بنفس نظرة الاحترام القديمة تلك إلى العمل بسبب قدرة انتاجه اكثر من معدل استهلاكه ببذل جهد ووقت اقل من السابق. وعلى إله العمل أن يهبط من عرش جلاله وجبروته العريق ويقدم مكانه إلى إله الترفيه.
علينا أن ندرك هذه النقطة، وهي أن ايام البطالة أي الايام التي يجب أن تقضى بالترفيه والراحة هي فقط تلك الفترة التي تجعل من الحياة تستحق العيش فيها، واننا نطيق الايام الاخرى فقط لانها تؤثر في غناء ايام البطالة والفراغ وتعطيها القيمة والاهمية"(2).
 
زيادة ساعات الفراغ
منذ امد بعيد اوجد المهندسون تحولاً في الصناعات الآلية وتغيرت بأثرها حياة المجتمع في البلدان الصناعية. فمن ناحية اصبحت معظم الالات والمكائن تعمل بشكل آلي ولم يبق حيزاً لاستهلاك الطاقة الإنسانية وتدخل يد العامل، وبالتالي فان العامل وكنتيجة لهذا التحول لم يعد يستنفذ قواه في ساعات عمله وتبقى كامنة في داخله. وحينما تحل ساعة الانصراف يخرج العامل مسرعاً مبتعداً عن محيط عمله ليسلّي نفسه بما يجلب له اللذة والاستجمام ويطلق من خلاله طاقته الكامنة. ومن ناحية اخرى اصبح عمل الماكنة سريعاً وارتفع مستوى الانتاج بسبب التغييرات الفنية والدقيقة التي طرأت على الصناعات وادى هذا إلى تخفيض ساعات العمل وبالتالي زيادة اوقات الفراغ.
وكان لتطور الماكنة وازدياد ساعات الفراغ سبب في ارتفاع نسبة الجرائم ووضع الدول الصناعية المتقدمة امام مشاكل جمة. وراح علماء الاجتماع إلى التفكير بما يمكن أن يملأ ساعات الفراغ عند الناس، وكيف يقضون اوقات البطالة؟ واين يستهلكون طاقاتهم المختزنة؟ وماذا عليهم أن يعملوا من اجل أن لا تجر اوقات الفراغ المجتمع إلى طريق الفساد والانحراف وتسير به نحو البؤس والشقاء؟

 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ  (ن . م) : 299 .
2 ـ (ن . م) :  301  .

رابط الموضوع

شارك هذا المقال

التعليق 0

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

من نحــن

مجلة ريحانة الالكترونية تعنى بجميع شؤون المرأة التي تناولها القرآن الكريم والسنة الشريفة. تعمل هذه المجلة تحت مجموعة شبكة رافد للتنمية الثقافية وهي مجموعة ثقافية تحت إشراف مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
علماً بأن عنوان هذه المجلة قد تم اقتباسه من الحديث الشريف عن أمير المؤمنين علي بن أبيطالب (عليه السلام): "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة".(نهج البلاغة)

أحدث المقالات

اسألي الفقيه