مجلة ريحانة الالكترونية

الإمام الحسين يودع السيدة زينب

يعتبر التوديع نوعاً من التزود من الرؤية ، فالمسافر يتزود من رؤية من سيفارقهم وهم يتزودون من رؤيته ، والوداع يخفف ألم البعد والفراق ، لأن النفس تكون قد استوفت قسطاً من رؤية الغائب ، وتوطنت على المفارقة ومضاعفاتها.

 

ولهذا جاء الإمام الحسين عليه‌السلام ليودع عقائل النبوة ، ومخدرات الرسالة ، وودائع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ليودع النساء والأخوات والبنات وأطفاله الأعزاء ، وليخفف عنهم صدمة مصيبة الفراق.

قد تحدث في هذا العالم حوادث وقضايا يمكن شرحها ووصفها ، وقد تحدث أمور يعجز القلم واللسان عن شرحها ووصفها ، بل لا يمكن تصورها.

إنني أعتقد أن تلك الدقائق واللحظات ـ من ساعات التوديع ـ كانت تجاوزت حدود الوصف والبيان.

فالأحزان قد بلغت منتهاها ، والقلق والاضطراب قد بلغ أشده ، والعواطف قد هاجت هيجان البحار المتلاطمة ، والدموع متواصلة تتهاطل كالمطر ، وأصوات البكاء لا تنقطع ، والقلوب ملتهبة ، بل مشتعلة ، والهموم والغموم متراكمة مثل تراكم الغيوم.

فبعد أن قتل جميع أصحاب الإمام الحسين عليه‌السلام وبنو هاشم ، ولم يبق من الرجال أحد ، عزم الإمام على لقاء الله تعالى ، وعلى ملاقاة الأعداء بنفسه المقدسة ، فأقبل إلى المخيم للوداع ، ونادى : « يا سكينة ويا فاطمة ، يا زينب ويا أم كلثوم : عليكن مني السلام ، فهذا آخر الإجتماع ، وقد قرب منكن الإفتجاع!

فعلت أصواتهن بالبكاء ، وصحن : الوداع .. الوداع ، الفراق .. الفراق ، فجاءته عزيزته سكينة وقالت : يا أبتاه إستسلمت للموت؟ فإلى من أتكل؟

فقال لها : « يا نور عيني كيف لا يستسلم للموت من لا ناصر له ولا معين ، ورحمة الله ونصرته لا تفارقكم في الدنيا والآخرة ، فاصبري على قضاء الله ولا تشكي ، فإن الدنيا فانية ، والآخرة باقية.

قالت : أبه ردنا إلى حرم جدنا رسول الله؟
فقال الإمام الحسين : هيهات ، لو ترك القطا لغفا ونام.

فبكت سكينة فأخذها الإمام وضمهما إلى صدره ، ومسح الدموع عن عينيها.

ثم إن الإمام الحسين عليه‌السلام دعى النساء بأجمعهن ، وقال لهن : « إستعدوا للبلاء ، واعلموا أن الله حافظكم وحاميكم ، وسينجيكم من شر الأعداء ويجعل عاقبة أمركم إلى خير ، ويعذب أعاديكم بأنواع العذاب ، ويعوضكم عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة ، فلا تشكوا ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص قدركم ».

ثم أمرهن بلبس أزرهن ومقانعهن ، فسألته السيدة زينب عن سبب ذلك ، فقال : « كأني أراكم عن قريب كالإماء والعبيد يسوقونكم أمام الركاب ويسومونكم سوء العذاب!!

فلما سمعت السيدة زينب ذلك بكت ونادت : واوحدتاه ، واقلة ناصراه ، ولطمت على وجهها!

فقال لها الإمام الحسين : « مهلاً يا بنة المرتضى ، إن البكاء طويل »!!

ثم أراد الإمام أن يخرج من الخيمة فتعلقت به السيدة زينب وقالت : « مهلاً يا أخي ، توقف حتى أتزود منك ومن نظري إليك ، وأودعك وداع مفارق لا تلاقي بعده »؟ فجعلت تقبل يديه ورجليه.

فصبرها الإمام الحسين ، وذكر لها ما أعد الله للصابرين.

فقالت : يا بن أمي طب نفساً وقر عيناً فإنك تجدني كما تحب وترضى.

فقال لها الإمام الحسين : « أخيه إيتيني بثوب عتيق لا يرغب فيه أحد ، اجعله تحت ثيابي لئلا أجرد بعد قتلي ، فإني مقتول مسلوب ، فارتفعت اصوات النساء بالبكاء.

ولما أراد الإمام أن يخرج نحو المعركة نظر يميناً وشمالاً ونادى : هل من يقدم إلي جوادي؟

فسمعت السيدة زينب ذلك ، فخرجت وأخذت بعنان الجواد ، وأقبلت إليه وهي تقول : لمن تنادي وقد قرحت فؤادي؟! (١)

وقد جاء في التاريخ : أن الإمام الحسين عليه‌السلام أوصى أخته السيدة زينب قائلاً : « يا أختاه! لا تنسيني في نافلة الليل ». (٢)

__________________

١ ـ كتاب « معالي السبطين » ج ٢ ص ١٣ ـ ١٤ ، المجلس السادس.

٢ ـ كتاب « زينب الكبرى » للشيخ جعفر النقدي ، ص ٥٨.

شارك هذا المقال

التعليق 0

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

من نحــن

مجلة ريحانة الالكترونية تعنى بجميع شؤون المرأة التي تناولها القرآن الكريم والسنة الشريفة. تعمل هذه المجلة تحت مجموعة شبكة رافد للتنمية الثقافية وهي مجموعة ثقافية تحت إشراف مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
علماً بأن عنوان هذه المجلة قد تم اقتباسه من الحديث الشريف عن أمير المؤمنين علي بن أبيطالب (عليه السلام): "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة".(نهج البلاغة)

أحدث المقالات

اسألي الفقيه