مجلة ريحانة الالكترونية

إحياء الفاطمية واجب على جميع البشرية

نشاهد اليوم أن هناك مراسيم إحياء وتكريم وتخليد للعظماء والشخصيات المرموقة وأصحاب الشأن في جميع الاتجاهات علمية كانت أو سياسية أو غيرها تنعقد في جميع المجتمعات البشرية والمحافل الدولية، وهذا أمر جيد مقبول عند عقلاء العالم، وهو نوع من الوفاء والاحترام والأدب الموجود تجاه المكانة التي كانت لدى هؤلاء العظماء، وهي مسبوقة من قبلنا على مدى العصور والأدوار التي مرّت في التاريخ.

العظماء هم العناصر الكفوءة المتميزة من بني البشر، والذين يكون لهم تأثير في الحياة الإنسانية. وأن نسبة العظماء -إذا قورنت بالمليارات من البشر الذي عاشوا على الأرض- قليلةٌ جداً؛ والسبب أن القلة من البشر هم الذي يتوجهون إلى كفاءاتهم، ويفجرونها.

وأصل اشتقاق كلمة العظماء من العظم؛ لأن العظم هو أقوى عنصر في جسم الإنسان حيث يتميز بصلابته، فالعظيم إذن هو الإنسان القوي الذي يتميز بصلابته وقوته في البيئة التي يعيش فيها.

منهج القرآن في تخليد العظماء

أولاً: تحدث القرآن الكريم عن العظماء، فذكر أخبار الأنبياء والأولياء؛ ليخلدهم عند البشر هداة وقدوة، فتجد أن هناك مجموعة كبيرة من سور القرآن الكريم بأسماء العظماء؛ وهذا هو السبب الذي يؤكده القرآن الكريم في تخليد هؤلاء العظماء: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه﴾ (1)

ثانياً: القرآن الكريم يذكر صفات هؤلاء العظماء التي ميزتهم عن غيرهم: ﴿ وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولاً نَبِيًّا﴾(2)

ثالثاً: القرآن الكريم يذكر المواقف المشرقة للعظماء والتي يريد الله تعالى من البشرية أن تأخذ منها الدرس والعبرة، فيتحدث القرآن عن معاناة الأنبياء والابتلاءات التي واجهتهم، ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾(3)

رابعاً: القرآن الكريم يشد الأجيال الإنسانية إلى مواقع وآثار حياة هؤلاء العظماء، ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ (4) وكل مشاعر الحج إنما هي تخليد لسيرة والمواقف التي سار عليها نبي الله إبراهيم . وأضاف: وفي تخليد قصة أصحاب الكهف يقول تعالى في نهاية عرض القصة: ﴿ قالَ الَّذينَ غَلَبُوا عَلي أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً﴾(5)  بيان على تقرير القرآن وموافقته على تخليد المكان الذي يكون فيه قبر النبي أو الولي.

خامساً: القرآن الكريم يأمر بتخليد العظماء ﴿ وَ اذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدي وَ الْأَبْصارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَي الدَّارِ (46) وَ إِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ﴾ (6)

وهناك نقطة فارقة بين العظماء على المستوى الماديين والإلهيين، فالماديون إنجازهم لا يتعدى الحياة الدنيا، وهم يأخذون نصيبهم وثوابهم فيها، أما الإلهيون فأنظارهم متوجهة نحو الآخرة؛ ولذلك يوجهون كفاءتهم بالاتجاه الصحيح، ويخدمون الناس بأكبر خدمة، ويقرر القرآن الكريم عظيم مكانتهم: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (7)

فترى هذا الأمر محبب من جانب المولى تعالى وجميع العقلاء في العالم يكّرمون، ويعظّمون عظمائهم من باب الوفاء والتقدير، وبناء على ذلك نشاهد أن هناك يوم العامل العالمي، ويوم المعلم، ويوم الأم، ويوم الأب، ويوم للطفل، وللبيئة، ولحقوق الانسان، كما أننا نرى هذا المناسبات تحيى في جميع أنحاء المعمورة، ولم يخالف هذه الأمور شخص واحد.

فإننا نعظم، ونقيم مجالس العزاء، ونحيي الأيام الفاطمية المقدسة، فلا يحق لأي أحد أن يعترض علينا من المسلمين وغيرهم، المسلمون بأجمعهم رووا الأحايث والأخبار أن النبي الأكرم كيف تصرف مع بضعته الصديقة الطاهرة، وكيف كان يحترمها، ويجلها، ويعظّم مقامها. وهذا يكفي في وجوب تكريمها، وتعظيمها واحترامها، كما أنها  سجلت أيضا مواقف عظيمة للتاريخ وللأنسانية بأجمعها؛ لأنها وقفت أمام الانحرافات العظيمة التي حدثت حينها، وقاومت وتصدت لها؛ لكي لا ينسى الغدير وما جرى فيه حتى أنها ضحت بولدها ونفسها، والتاريخ يسجل لنا بأن الدين لم يكتمل إلا بعد أن نزلت هذه اللآية الشريفة على الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله في يوم الغدير (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (8) وهذه الشخصية التي تضحي بنفسها وهي ذات مقامات عالية تستحق أن نحي ذكرها، ونعظّمها.

إحياء الأيام الفاطمية غير مختص بالشيعة، كما أنّها دعت للبشرية عامة كما ورد في دعائها الأخير من حياتها الشريفة:

(اللّهُمَّ اِنّي اسألُکَ بِمُحَمَّدٍ المصطفی وشُوقه إليَّ وبَبْعلي عَلي المُرتَضی وحُزْنه عَلَيَّ، وَبِالحَسَنِ المُجتَبی وبکائِه عَلَيَّ وَ بِالحُسَیْنِ الشَّهیدِ و کآبَتهِ عَلَيَّ و بَناتي الفاطِمیّات وتحسّرهُنَّ عَلَيَّ، انَّکَ تَرحَم وَ تَغْفِر لِلعُصاةِ مِن اُمَّةِ مُحمّدٍ و تَدْخُلُهُم الجَنَّةَ، اِنَّکَ اَکْرَمُ المَسئولینَ وَ اَرْحَمُ الرّاحِمینَ)(9)

نحن نحيي ذكرى هكذا شخصية عظيمة، وهي رغم ما جرى عليها من مصائب - لو أنها صبت على الأيام كانت لياليا-  ففي  تلك الأحوال والظروف الصعبة التي لا تتحملها حتى الجبال الشامخات،  لكنها تدعو المولى أن يغفر، ويرحم أمة أبيها المصطفى صلى الله عليه وآله، فإن الزهراء عليها السلام تعد لكل المسلمين، وهي ليست أما للسادة فحسب، بل  هي أم لجميع المؤمنين، فإنها غذتهم في الدنيا بولائها ومحبتها، وفي الآخرة بشفاعتها يدخلون الجنة؛ فيجب عليهم أن يحيوا أمرها حتى نتخلص من هذه الأزمة التي وقعنا فيها.

ــــــــــــــــــــــــــ

1ـ سورة الأنعام:90.

2ـ سورة مريم: 54.

3ـ سورة البقرة: 124.

4ـ سورة البقرة: 125.

5ـ سورة الكهف: 21.

6ـ سورة ص : 45، 46، 47.

7ـ سورة القصص: 83.

8ـ سورة المائده: 3.

9ـ فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى(ص): ص 576.

شارك هذا المقال

التعليق 0

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

من نحــن

مجلة ريحانة الالكترونية تعنى بجميع شؤون المرأة التي تناولها القرآن الكريم والسنة الشريفة. تعمل هذه المجلة تحت مجموعة شبكة رافد للتنمية الثقافية وهي مجموعة ثقافية تحت إشراف مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
علماً بأن عنوان هذه المجلة قد تم اقتباسه من الحديث الشريف عن أمير المؤمنين علي بن أبيطالب (عليه السلام): "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة".(نهج البلاغة)

أحدث المقالات

اسألي الفقيه