مجلة ريحانة الالكترونية
عنوان الموقع : مجلة ريحانة الالكترونية

جاء الإسلام من أجل هداية المجتمع الإنساني ، وايصاله إلى قمّة التكامل والسمو والارتقاء ؛ بتقرير المنهج الالهي في واقع الحياة ، وجعله الحاكم على أفكار الناس ، ومشاعرهم ، ومواقفهم ، لتتحول الافكار والتصورات والمفاهيم إلى صور متجسدة في الواقع ، ذات معالم ومواقف منظورة ومحسوسة

.

ولا تتحقق هذه الهداية بمجرد نزول المفاهيم والقيم على رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لم يقم بتبليغها للناس ومتابعة تطبيقها وتجسيدها في الواقع ، وخير وسيلة للتطبيق العملي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لذا جعل رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر من اللّه تعالى اثني عشر إماما عِدلاً للقرآن ، وهم القرآن الناطق الذي يقوم بمهمة التطبيق في الواقع ، وفي جميع مجالات المنهج الالهي العقيدي والسلوكي ، وفي جميع مجالات مقومات الشخصية الانسانية : الفكر والعاطفة والسلوك.

فلأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والذي هو بحاجة إلى من يتبنّاه ويقوم به ليواصل المسيرة ويحقق البناء والإصلاح والتغيير الشامل ، لم يترك رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القرآن وحده بمفاهيمه وقيمه وتشريعاته المجملة والظاهرة والباطنة ـ وهو المرشد الأول للمعروف والناهي عن المنكر ـ عرضة للأهواء والتفسير بالرأي .. ، بل ترك بجانبه ثقلاً آخر وهم أهل البيت عليهم‌السلام للنهوض بمهمة البيان واستمرار أداء الرسالة ، وتوجيه الاُمّة لصالح الأعمال وردعها عن منكر الفعل والقول.

قال الإمام محمد الباقر عليه‌السلام : « إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصالحين ، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب ، وتحلّ المكاسب ، وتردّ المظالم ، وتعمّر الأرض وينتصف من الاعداء ، ويستقيم الأمر .. »

وتتناسب أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تناسبا طرديا مع أهمية الأهداف والغايات التي تتحقق من خلال القيام به ، والتي يمكن اجمالها بما يلي :

أولاً : نشر المفاهيم العقائدية والقيم التشريعية : بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يهتدي الانسان إلى الفطرة السليمة ؛ بالايمان باللّه تعالى وتوحيده في التصورات والمشاعر والمواقف ، والايمان برسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاقتداء به ، والايمان بإمامة أهل البيت عليهم‌السلام ، والايمان باليوم الآخر ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « ... بعث فيهم رسله ، وواتر اليهم أنبياءه ، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسي نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول ... ولم يخلِ اللّه سبحانه خلقَهُ من نبي مرسلٍ ، أو كتابٍ مُنزَلٍ ، أو حجّة لازمة ، أو محجّة قائمة ... إلى أن بعث اللّه سبحانه محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... فهداهم به من الضلالة ، وانقذهم بمكانه من الجهالة ... »

وبرسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يهتدي الإنسان إلى القيم التشريعية ويطّلع على أُسسها وقواعدها ، وبه يزاول الاحكام في واقعه السلوكي ، وإلى ذلك أشار أمير المؤمنين عليه‌السلام بقوله : « إنّ اللّه سبحانه لم يخلقكم عبثا ، ولم يترككم سُدىً ... أنزل عليكم الكتاب تبيانا لكلِّ شيء ، وعمَّرَ فيكم نبيّه أزمانا ، حتى أكمل له ولكم ـ فيما أنزل من كتابه ـ دينه الذي رضي لنفسه ، وأنهى إليكم ـ على لسانه ـ محابَّهُ من الاعمال ومكارهه ، ونواهيه وأوامره ، وألقى إليكم المعذرة ، واتخذّ عليكم الحجّة ، وقدّم اليكم بالوعيد ، وانذركم بين يدي عذاب شديد ، فاستدركوا بقية أيامكم ... »

وبالعقيدة والشريعة الالهية تصل الاُمّة إلى التكامل والارتقاء والخير والسعادة ، وهي متوقفة على أداء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ، ونهوا عن المنكر ، وتعاونوا على البر والتقوى ، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات ، وسلّط بعضهم على بعض ، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء »

وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتم القضاء على البدع وتحجيم الانحراف العقائدي والتشريعي ، وتثبيت الايمان في القلوب.

ثانيا : اصلاح الأخلاق : بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتهيأ الاجواء الروحية والنفسية للانتصار على الاهواء والشهوات ، والتعالي على أثقال المطامع ؛ لأنّه يتتبع دخائل النفوس ، وينفذ إليها بالكلمة الطيبة والقول السديد.

فإنّ النفوس تتلقى وتستجيب لمن يريد تربيتها واصلاحها ، وإنّها لتتطلع إلى أفق أرحب واهتمامات أرفع ، وتتوجه إلى الفضائل والمكارم وحسن السيرة إذا ما تمّ تعاهدها بالمعروف ، وإبعادها عن ساحة المنكر.

والأمر بالمعروف يدفع إلى العمل الصالح بعد التعالي على جميع أغلال الانحراف والفساد ، فيصبح الانحراف والفساد فلتة عارضة وحادثة منقطعة ، تعود إلى الأصل وهو الاستقامة على المنهج الذي يريده اللّه تعالى.

عن أنس عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « إنّ من الناس ناسا مفاتيح للخير مغاليق للشر ، وإنّ من الناس ناسا مفاتيح للشر مغاليق للخير ، فطوبى لمن جعل اللّه تعالى مفاتيح الخير على يديه ، وويل لمن جعل اللّه مفاتيح الشر على يديه ».

ويعني صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك : ان الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر هو مفتاح للخير ومغلاق للشر

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يساعد على العودة إلى الاستقامة بعد الانحراف ، وإلى الأمل بعد اليأس ، فبه يتم الحث على التوبة والاستغفار ، واستثمار الفرص الجديدة لاصلاح النفس وتهذيب الأخلاق.

ثالثا : نصرة المظلومين وردع الظالمين : شُرّع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للحفاظ على سلامة العلاقات وعلى الحفاظ على الحرمات ، بالدعوة إلى العدل والرحمة والنهي عن الجور والظلم ، واعطاء كل ذي حقّ حقّه دون اعتداء أو اضطهاد أو استغلال ، فإذا وجد الظالم والجائر من يردعه بقول أو بفعل ؛ فإنّه سيخفف من ممارساته العدوانية أو يتخلّى عنها ، وسيجد الناس إنّ لهم سندا يدافع عن حقوقهم ، فيعيشون الامن والطمأنينة.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لا يكوننَّ أفضل ما نلت من دنياك بلوغ لذةٍ وشفاء غيظٍ ، وليكن إحياء حقٍ وإماتة باطل »

وقال عليه‌السلام : « رحم اللّه امرءا أحيى حقا وأمات باطلاً وأدحض الجور وأقام العدل »

وجعل رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلمة العدل عند السلطان الجائر من أفضل الجهاد ؛ لأنّها وسيلة لردعه ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أفضل الجهاد كلمة عدلٍ عند سلطان جائر »

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب ، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه ، فقتله »

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شُرِّع لمصلحة العموم ، وبه ردع للسفهاء لكي لا يتمادوا في سفاهتهم ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « ... والأمر بالمعروف مصلحة للعوام ، والنهي عن المنكر ردعا للسفهاء »

رابعا : الحفاظ على عزة المسلمين : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقرّر مدى تماسك المسلمين وتعاونهم على تكاليف الإيمان ، ويجعلهم يشعرون جميعا شعورا واحدا بضرورة القيام بأعباء الامانة المناطة بهم ، ويثبِّت بعضهم بعضا فلا يتخاذلون ، ويقوّي بعضهم بعضا فلا يتراجعون أمام المشاق والعقبات ، فيتآزرون على ثقل المسؤولية ، ومشقة الطريق ، منطلقين نحو الهدف السامي وراء وجودهم وكيانهم ، ويتناصرون لمواجهة الاخطار والتحديات المحدقة بهم ، ويستصغرون كل قوة ، وكل عقبة ، وكل كيد ، وهم يشعرون بأنّ اللّه تعالى معهم إن أدّوا مسؤوليتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من أمر بالمعروف شدّ ظهور المؤمنين ، من نهى عن المنكر أرغم انوف الفاسقين »
وبالتعاون على أداء المسؤولية تتحقق العزّة للمؤمنين ، بأن يكونوا أقوياء متماسكين متآزرين ، مرتبطين بمصدر القوة والعزّة وهو اللّه تعالى.

وإذا تخلّوا عن هذه المسؤولية ، فإنّهم سيعيشون في ذل مستسلمين لغيرهم لا يقوون على النهوض ، ويفقدون مصدر الاسناد كأمر طبيعي لمخالفة أوامره تعالى.

قال الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام : « لتأمرّنَّ بالمعروف ، ولتنهنَّ عن المنكر ، أو ليستعملنَّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم

ولأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مدح اللّه تعالى في كتابه العزيز الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ـ كما تقدّم ـ وجعله سببا للفلاح والصلاح.